ماذا يعني وقف مساعدات USAID؟
د. صالح سليم الحموري
30-03-2025 03:56 PM
لطالما كانت المساعدات الخارجية إحدى أدوات النفوذ السياسي والاقتصادي العالمي، وعلى رأسها مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ، التي لعبت دورًا محوريًا في عدد من دول المنطقة. ومع الإعلان عن توقف هذه المساعدات، تباينت ردود الفعل بين من رأى في القرار "كارثة اقتصادية" – لا سيما من بعض الفئات التي اعتادت الاستفادة المباشرة من هذه المساعدات – وبين من اعتبره فرصة تاريخية لإعادة صياغة الأولويات الوطنية.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على البُعد الإيجابي لهذا التحول، ونسعى إلى استكشاف كيف يمكن تحويل هذا التحدي الظاهري إلى محفّز للنهوض الذاتي وبناء استقلال حقيقي يستند إلى إمكاناتنا الوطنية، وإرادتنا الحرة، ورؤيتنا لمستقبل أكثر سيادة واستدامة.
لطالما ارتبطت المساعدات الأجنبية "بشروط وأجندات سياسية واقتصادية"، وغالباً ما يُوجَّه التمويل نحو مشاريع تخدم مصالح المانحين أكثر من احتياجات المتلقّين. وقف هذه المساعدات يُمكن أن يتيح للدول فرصة ثمينة لإعادة بوصلة التنمية نحو أولوياتها الحقيقية، وتعزيز استقلالية قرارها الوطني.
كما أن الاعتماد طويل الأمد على المساعدات يُضعف الحافز لتطوير القدرات الذاتية، سواء في القطاع العام أو الخاص. ومع توقف المساعدات، تصبح الحاجة أكثر إلحاحاً لتقوية الإنتاج الوطني، ودعم المبادرات المحلية، وتوسيع الاستثمار في التعليم والبحث العلمي وريادة الأعمال، بما يفتح آفاقاً جديدة للتنمية المستدامة.
وقد يشكّل هذا التحول أيضاً دافعاً لتبنّي نماذج تمويل محلية أكثر كفاءة واستدامة، قائمة على "الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، واستحداث أدوات مالية حديثة كالسندات الاجتماعية وصناديق التنمية، بما يعزز السيادة الاقتصادية ويقلل من التبعية.
وفي غياب الدعم الخارجي، تبرز أهمية "بناء مؤسسات وطنية قوية"، تتمتع بالشفافية والحوكمة الرشيدة، وتكون قادرة على "إدارة الموارد بكفاءة وعدالة". كما أن المواطنين سيصبحون أكثر مشاركة ومساءلة، مما يُسهم في تعزيز المناخ الديمقراطي وثقافة الرقابة المجتمعية.
قد يبدو وقف مساعدات الـ USAID للوهلة الأولى قراراً مقلقاً، لكنه يحمل في جوهره بذور التحرر، والاستقلال، والانطلاق نحو تنمية حقيقية نابعة من الداخل. إنها لحظة فاصلة، تتطلب تفكيراً جريئاً وتخطيطاً استراتيجياً لمرحلة ما بعد المساعدات، حيث تنتقل الدولة من موقع المتلقّي إلى موقع المبادِر والمُنتِج.
في زمن يُعاد فيه تشكيل ملامح العالم، لا مكان للأمم التي تنتظر أن يُقرَّر مصيرها من الخارج.
وقف المساعدات ليس نهاية، بل اختبار حقيقي لنضجنا السياسي، ولمدى قدرتنا على إعادة بناء منظومة تنموية تستمد قوتها من الداخل، لا من الخارج.
فالسؤال الجوهري اليوم ليس: "لماذا توقفت المساعدات؟"
بل: "هل نحن مستعدون أن نبني بأنفسنا، ونُسند أنفسنا، ونكتب بأنفسنا العبارة: (بدعم من الشعب الأردني)؟"
إن المستقبل لا يُصنع بالاعتماد على الغير، بل بالثقة، والاعتماد على الذات، والإيمان بأن الشعوب الحيّة قادرة على النهوض حين تُمنح الفرصة لأن تعتمد على نفسها.
* خبير التدريب والتطوير / كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية