الأردن في مواجهة الرسوم الجمركية: التحديات والحلول
محمد البطوش
03-04-2025 11:58 PM
في عالم تتداخل فيه أمواج السياسة والاقتصاد، يقف الأردن في مفترق طرق وسط تغييرات جذرية تنعكس على ساحة التجارة العالمية، حيث تشكل الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضها ترامب تحدياً جديداً يتطلب من صناع القرار الأردني إعادة النظر في استراتيجياتهم الاقتصادية والسياسية، ففي لحظة قد تبدو فيها الأسواق وكأنها على شفير اضطراب، يبرز دور الأردن في تبني حلول مبتكرة تضمن استقرار الاقتصاد المحلي وتفتح آفاقاً جديدة للنمو، حيث تشهد الساحة الاقتصادية العالمية تحولات كبيرة مع استمرار تطبيق السياسات الحمائية التي يتبناها بعض الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب حيث تُعد الرسوم الجمركية أحد الأدوات الرئيسية في محاولة حماية الصناعات المحلية وفرض شروط جديدة على العلاقات التجارية الدولية وفي هذا السياق يتأثر الاقتصاد الأردني بشكل غير مباشر من هذه السياسات التي تثير اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وتؤدي إلى تغييرات في أسعار السلع واستراتيجيات الشراكة التجارية مع الأسواق الخارجية مما يستدعي دراسة تحليلية متعمقة لتأثير هذه الإجراءات على الأردن وطرح حلول مبتكرة للتعامل مع التحديات الجديدة.
ومن الناحية الاقتصادية تظهر التحديات جلية من خلال ارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة للرسوم الإضافية المفروضة على سلع قد تكون جزءاً من سلة الاستهلاك اليومية لدى المواطن الأردني مما يؤدي إلى ضغوط على ميزان المدفوعات ويضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية في ظل منافسة شرسة من الخارج كما أن اضطراب سلاسل الإمداد يجعل من الضروري على قطاعات الاقتصاد الأردني إعادة النظر في آليات التوريد وتنويع مصادر الشراء بهدف تقليل الاعتماد على أسواق قد تتأثر بالتوترات التجارية العالمية وبالتالي فإن الضغط الناتج قد يمتد ليؤثر على معدلات التضخم والاستقرار الاقتصادي الداخلي مما يستدعي من صانعي السياسات دراسة معمقة لهذه التغيرات وإيجاد استراتيجيات لتفادي أية تأثيرات سلبية على المستهلك وعلى الاستقرار الاقتصادي العام، أما على الصعيد السياسي فتواجه الحكومة الأردنية تحديات جمة تتمثل في ضرورة الحفاظ على علاقات دبلوماسية متوازنة مع القوى الكبرى وفي نفس الوقت العمل على حماية مصالحها الاقتصادية الوطنية في ظل تغير المعادلات التجارية الدولية حيث يصبح من الضروري تعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع الشركاء التجاريين التقليديين وتعزيز العلاقات مع الدول التي تشهد استقراراً اقتصادياً وسياسياً للمساعدة في تلطيف الأجواء العالمية وتأمين مصادر بديلة للسلع الأساسية كما يجب على الأردن أن يلعب دور الوسيط البناء في الحوار الإقليمي والدولي للمساهمة في تهدئة التوترات التجارية التي قد تؤدي إلى آثار مدمرة على الأسواق المحلية والعالمية.
وفي ظل هذا المشهد العالمي المتغير تتضح الحاجة إلى حلول جذرية تتسم بالمرونة والابتكار لمواجهة الآثار المحتملة للرسوم الجمركية الأمريكية على الأردن ومن أبرز الحلول الممكنة ضرورة تنويع مصادر الاستيراد والتركيز على تطوير الصناعات المحلية بحيث تقل نسبة الاعتماد على المنتجات الخارجية وذلك من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الحوافز للشركات الوطنية للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والابتكار الصناعي كما يمكن للحكومة الأردنية العمل على توقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع شركاء اقتصاديين يتمتعون باستقرار نسبي في ظل السياسة الحمائية الأمريكية وذلك لتأمين سلاسل إمداد بديلة تضمن تلبية الاحتياجات المحلية دون تعرض الميزان التجاري لضغوط إضافية، وعلاوة على ذلك يجب على الجهات المعنية العمل على تطوير البنية التحتية الاقتصادية والرقابية بهدف تحسين كفاءة الأسواق المحلية وإزالة العقبات التي تحول دون المنافسة العادلة بين المنتجات المستوردة والمحلية مما يساعد على خلق بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء ويمكن لهذا النهج أن يساهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد الأردني وتحقيق نمو مستدام على المدى الطويل وفي المجال السياسي يتعين على صانعي القرار تعزيز الحوار مع المجتمع الدولي وتبني موقف مرن يستند إلى التعاون بدل المواجهة بحيث يتم العمل مع شركاء استراتيجيين لتخفيف حدة التوترات التجارية ومنع انتقال الصدامات الاقتصادية إلى ميدان السياسة الخارجية والذي قد ينعكس سلباً على صورة الأردن في المحافل الدولية، كما ينبغي الاهتمام بتوفير برامج دعم اجتماعي واستراتيجيات حماية الفئات الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار نتيجة لتأثير الرسوم الجمركية على سلة المستهلك الأساسية وذلك من خلال إطلاق حملات توعوية وتقديم مساعدات مادية للمواطنين بالإضافة إلى دعم السياسات النقدية والمالية التي تسعى إلى كبح معدلات التضخم وتأمين استقرار الأسعار في الأسواق المحلية مما يعد خطوة ضرورية لضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأردن.
ويظهر جلياً أن تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية يمتد إلى ما هو أبعد من حدود التجارة ليشكل تحدياً متعدداً الأبعاد يستدعي رؤية استراتيجية شاملة تتضمن إصلاحات اقتصادية واجتماعية ودبلوماسية تسهم في حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية وتوجيه السياسات العامة نحو تنمية مستدامة تضمن بقاء الأردن كشريك اقتصادي وسياسي فاعل في النظام الدولي وتعكس روح الابتكار والتكيف مع التغيرات العالمية المتسارعة في عصر تتداخل فيه السياسة والاقتصاد لتحقيق مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.