facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




البيروقراطية الإبداعية (2): طريق الحكومات نحو التجدّد والاستجابة


د. صالح سليم الحموري
04-04-2025 12:36 PM

لطالما ارتبطت كلمة "بيروقراطية" في الوعي العام بالجمود والبطء والروتين القاتل. فغالبًا ما تشير إلى أنظمة حكومية تُعطّل الإبداع، وتُقيّد الموظفين بسلسلة لا تنتهي من التعليمات والإجراءات، مما يُضعف القدرة على التجديد والاستجابة الفعالة لمتغيرات العصر. ولكن في الوقت الذي تتزايد فيه تعقيدات المشهد العالمي، وتتسارع فيه تطلعات المواطنين نحو خدمات ذكية، مرنة، ومصممة حسب احتياجاتهم الفردية، أصبحت الحاجة ملحة لإعادة تعريف البيروقراطية، وإطلاق نموذج جديد ينسجم مع روح العصر: "البيروقراطية الإبداعية".

هذا النموذج لا يسعى إلى إلغاء القواعد أو إضعاف الأنظمة، بل إلى إعادة هندستها بطريقة تجعلها أكثر مرونة، وأقرب إلى الإنسان. فالبيروقراطية الإبداعية تقوم على الحفاظ على الانضباط والشفافية والتنظيم، دون التضحية بروح الابتكار وسرعة الاستجابة. إنها انتقال من البيروقراطية كعقبة إلى البيروقراطية كمُمكّن، من حارس للنظام إلى محفّز للتغيير، ومن جهة رقابية إلى شريك في التجريب والاكتشاف.

لقد تغيّر العالم من حولنا. لم تعد الحكومات وحدها في الميدان؛ القطاع الخاص يبتكر بسرعة، والمواطن يطالب بفاعلية، والتكنولوجيا تُعيد تشكيل الحياة اليومية. في هذا السياق، يصبح التمسك بقواعد الأمس طريقًا "للعزلة المؤسسية". المطلوب اليوم ليس إلغاء البيروقراطية، بل إعادة ضبطها بالكامل، حتى تصبح قادرة على تسريع اتخاذ القرار دون المساس بالحَوكمة، واحتضان المبادرات الصغيرة داخل المنظومة الكبيرة، وتوفير بيئة تحفّز التفكير خارج الصندوق، ولكن ضمن ضوابط واضحة تضمن الاتزان والاستدامة.

وقدّمت دولة الإمارات نموذجًا حيًّا ورياديًّا في هذا التحوّل. فلم تعد الحكومة مجرّد جهاز إداري تقليدي، بل أصبحت ورشة تفكير وتجريب مستمر، تُعيد من خلالها ابتكار نفسها ومقارباتها لخدمة المجتمع. يتجسّد هذا التوجّه من خلال تطبيق منظومة التميز المؤسسي على القطاع الحكومي، وإدخال مفاهيم جديدة مثل الابتكار الحكومي، والسعادة المؤسسية، والرشاقة المؤسسية. كما أطلقت مبادرات نوعية مثل "مسرّعات المستقبل"، و"مختبرات الابتكار الحكومي"، و"استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي"، وتبنّت نهج "تصفير البيروقراطية" الذي تجاوز كونه شعارًا، ليصبح ممارسة إدارية متكاملة، تُعيد تعريف علاقة المواطن بالحكومة على أساس السلاسة، والمرونة، والفعالية.

التحوّل نحو البيروقراطية الإبداعية لا يدور حول سؤال "هل يجب؟"، بل "متى نبدأ؟ وكيف نُنفذ؟".

يبدأ الطريق بتحديث القوانين والإجراءات لتكون أكثر مرونة ومرتكزة على المبادئ العامة لا على التفاصيل المقيدة. ويستلزم تمكين الموظفين من اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية ضمن صلاحيات واضحة، ونشر ثقافة "التجريب المسؤول" داخل القطاع الحكومي. كما يتطلب إنشاء وحدات داخلية للإبداع والابتكار تعمل كمحركات تغيير مؤسسية، إلى جانب دمج التكنولوجيا الذكية في دورة اتخاذ القرار الحكومي، بما يضمن اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة وملاءمة.

حين تُعاد صياغة البيروقراطية وتُدار بروح منفتحة، يمكن لها أن تتحول إلى منصّة "للإبداع والابتكار" لا قيدًا عليه. فالحكومات اليوم لا يُطلب منها أن تحاكي شركات التكنولوجيا، ولكن أن تستفيد من مرونتها، وأن تُعيد ابتكار أدواتها بما يضمن الانضباط والابتكار في آنٍ معًا. وهذه هي "البيروقراطية الإبداعية" التي تحتاجها الحكومات لتبني المستقبل لا أن تلاحقه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :