تراجع الاستثمارات في الأردن: هل يكون وادي الاستثمار الرقمي هو الحل؟
أ.د تركي الفواز
06-04-2025 12:18 AM
شهد الأردن خلال عام 2024 تراجعًا في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 18.5%، حيث انخفضت الاستثمارات من 1.424 مليار دينار في 2023 إلى 1.160 مليار دينار في 2024، وفقًا لبيانات البنك المركزي الأردني، ورغم هذا التراجع، إلا أن الاستثمار الأجنبي لا يزال أفضل مما كان عليه في عامي 2022 و2021، فهل يعكس هذا التراجع مشكلة هيكلية أم أنه مجرد تذبذب طبيعي؟ وما الحلول الممكنة لجذب مزيد من الاستثمارات؟
يعود تراجع الاستثمار الأجنبي في الأردن إلى عدة عوامل، من أبرزها التحديات الاقتصادية العالمية التي أثرت على تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، حيث أدى التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى توجه المستثمرين نحو أسواق أكثر استقرارًا، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة بسبب السياسات النقدية المتشددة في الاقتصادات الكبرى جعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما حد من قدرة الشركات العالمية على التوسع في استثمارات جديدة، "بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة عوامل محلية تؤثر على جاذبية الأردن للاستثمارات الأجنبية، مثل البيروقراطية والتشريعات المعقدة التي تعيق دخول المستثمرين، رغم الجهود الحكومية المبذولة لتحسين بيئة الأعمال، كما أن اعتماد الاقتصاد على قطاعات تقليدية مثل العقارات والخدمات، دون تعزيز القطاعات التكنولوجية والصناعية المتقدمة، قد قلل من فرص استقطاب الاستثمارات النوعية، إلى جانب العوامل الاقتصادية، تلعب التوترات الجيوسياسية في المنطقة دورًا مهمًا في التأثير على ثقة المستثمرين، حيث تجعل الأوضاع غير المستقرة للمستثمرين أكثر حذرًا في اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأجل، لذلك من الضروري أن يعمل الأردن على تعزيز استقراره الاقتصادي والسياسي لضمان تدفق مستمر لرأس المال الأجنبي.
لزيادة الاستثمارات، يجب العمل على تحسين بيئة الأعمال عبر تقليل الإجراءات البيروقراطية، وتسريع عمليات إصدار التراخيص، وتعزيز الشفافية من خلال تطوير قوانين الاستثمار بما يتماشى مع المعايير الدولية، كما أن تنويع الاقتصاد يعد خطوة ضرورية، حيث يمكن للأردن الاستثمار في التكنولوجيا والطاقة المتجددة ليصبح مركزًا إقليميًا للطاقة الشمسية والتكنولوجيا المالية، وتوفير حوافز استثمارية في القطاعات الإنتاجية مثل الإعفاءات الضريبية للمشاريع التي توفر وظائف محلية وتعزز التصدير سيسهم في تعزيز ثقة المستثمرين، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص يعد من الحلول الأساسية، حيث يمكن تنفيذ مشاريع كبرى بالشراكة مع المستثمرين الأجانب، مثل تطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية التي تشمل: تحسين الموانئ والمطارات، إنشاء شبكات نقل متطورة، وتوسيع مرافق التخزين والتوزيع، مما يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين وجعل الأردن وجهة مفضلة لرؤوس الأموال الأجنبية، كما أن ضبط السياسات المالية والنقدية لضمان استقرار سعر الصرف وتحفيز الاستثمارات طويلة الأجل يعد من الخطوات الحاسمة لضمان استدامة الاستثمار الأجنبي.
لزيادة الاستثمارات، يمكن أن يكون إنشاء "وادي الاستثمار الرقمي" حلًا ابتكاريًا ورياديًا فعالًا، هذا الوادي سيكون منطقة اقتصادية خاصة تركز على التكنولوجيا الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات المالية، سيعمل على توفير إعفاءات ضريبية وحوافز مالية للشركات الناشئة والمستثمرين، مما يشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى ذلك سيُسهم في تسهيل الشراكات بين الشركات المحلية والعالمية في مجال الابتكار، ويُوفر بنية تحتية متطورة تشمل حاضنات أعمال ومراكز أبحاث متخصصة، كما سيكون هذا الوادي دافعًا لدعم التعليم والتدريب التقني لتخريج كوادر متخصصة تدعم بيئة الأعمال في الأردن، لقد أثبتت تجارب بعض الدول العالمية نجاحها في جذب الاستثمارات الأجنبية، ويمكن للأردن الاستفادة من هذه التجارب، على سبيل المثال ركزت سنغافورة على تقديم بيئة أعمال مرنة كتخفيف الإجراءات البيروقراطية، وتسهيل تسجيل الشركات، وتقليل الروتين الإداري، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة، وتخفيض الضرائب على الشركات، مما جعلها مركزًا عالميًا للاستثمارات، أما الإمارات العربية المتحدة، فقد أنشأت مناطق حرة ووفرت قوانين استثمارية متطورة، مما ساهم في جعلها وجهة رئيسية للاستثمارات العالمية، ومن جانبها ركزت أيرلندا على استقطاب شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Google وApple عبر تقديم حوافز ضريبية، والاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية.
وحسب رأي الاقتصادي فان على الاردن التركيز على مجموعة من العناصر الأساسية التي تدعم الابتكار والنمو في القطاع الرقمي والتكنولوجي، ومن أهمها انشاء شبكات الاتصالات عالية السرعة ، وإنشاء مراكز بيانات متقدمة تدعم تخزين البيانات ،وتحليلها، ومعالجتها،و الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الريحية لتوفير طاقة مستدامة تدعم أنظمة التكنولوجيا،و توفيرالحاضنات والمسرعات التكنولوجية للشركات الناشئة والمتطورة في مجال التكنولوجيا مع دعم استشاري ومالي وتقني لتحفيز الابتكار،و تخصيص استثمارات كافية في مراكز البحث والتطوير، والجامعات، وتوفير التدريب الفني لرفع مهارات الكوادر البشرية في مجالات التكنولوجيا،واستخدام ادوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، فان الاستثمار في هذه المجالات يعزز قدرة الاردن على أن تصبح مركزًا رقميًا واعدًا يجذب الاستثمارات الخارجية ويحفز الاقتصاد الرقمي، ومن خلال تطبيق هذه الحلول والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة يمكن للأردن أن يصبح وجهة جذابة للاستثمارات العالمية، مما يعزز من قدرتها على جذب رؤوس الأموال وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. وهذا سيساعدها على جعلها مركز عالمي للتكنولوجيا.
رغم التحديات التي يواجهها الأردن في جذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن هناك فرصًا كبيرة لتعزيز جاذبية الاردن على الساحة العالمية، من خلال اتخاذ خطوات استراتيجية لتحسين بيئة الأعمال، تنويع الاقتصاد، ودعم الابتكار، والاستثمار في القطاعات التكنولوجية والطاقة المتجددة، إلى جانب تطوير البنية التحتية، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتبني حلول ابتكارية مثل "وادي الاستثمار الرقمي"، والاستفادة من تجارب الدول الناجحة في جذب الاستثمارات ، إذا تم تنفيذ هذه الحلول بشكل جاد فانه يمكن للأردن أن يعود إلى مسار النمو ويصبح وجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية،وهذا سيساعد في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السنوات المقبلة.