الشرعية الدولية بين الحقيقة والخديعة
فيصل تايه
07-04-2025 11:28 AM
من المعروف ان ضمن اشهر من تسلموا منصب حقيبة وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في عهد سابق ليس ببعيد هو الرجل الداهية "هنري كيسنجر" ، اذ كان على راس المنصب الأكثر حسّاسية في التاريخ الأمريكي المعاصر ، فمن مقولاته الماثورة : أن أمريكا الحديثة لا ترى أي مصلحة في حل ومعالجة أي مشكلة في العالم وترى دائما أن مصلحتها تقتضي أن تبقى ممسكة بخيوط المشكلة وتحرك خيوطها وتتحكم بمساراتها وتوجهاتها وفقاً لما تقتضيه المصلحة الأمريكية بعيداً عن كل ما يُقال عن السلام وتلك المبادئ والشعارات المتعلقة بالحضارة والمدنية والإنسانية.
هذه الحقيقة لن تحجب ما يتحدث به رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اليوم عن مساعيه الجادة لإحلال السلام والاستقرار في العالم ، وهو يعلن على الملأ بأنه مشغول هذه الأيام حتى أذنيه بإحلال السلام العالمي و"وقف الحروب" في العالم وبإزالة آثار الفوضى العارمة والمأساوية التي خلفها سلفه الديمقراطي جو "بايدن" ، ناهيك عما أصاب به دول العالم من ذعر غير مسبوق بقراره الاستفزازي الغريب بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات، مع زيادات كبيرة على منتجات عشرات الدول التي وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ خيارات لابد منها، ما يجعل العالم يخوض حربا اقتصادية واسعة وربما تتطور إلى حرب عالمية عسكرية شاملة لن ينجو أحد من آثارها وتداعياتها الكارثية.
اننا ونحن نتابع تسارع الاحداث يوميا ، كيف للمشغول بإيقاف الحروب في العالم ان يعطى الكيان الإسرائيلي إذناً مفتوحاً لفعل ما بدا له بحق أطفال ونساء ومنازل قطاع غزة ، لا بل راح يبرر له جرائمه ومجازره وانتهاكاته لكل القوانين واﻷعراف الدولية المتعلقة بالمناطق المحتلة، وحقوق شعوبها المكفولة في الحصول على أدنى الخدمات التي تمكنهم من العيش في ظل الحدود الدنيا من الحقوق الإنسانية ، كما ضاعف دعمه لهذا الكيان بالسلاح والعتاد الذي يحتاجه ، ووصل الى شرعنة استباحة سيادة دول الجوار، واحتلال أجزاء منها بحجة حماية حدودها والتمدد إذا أرادت ذلك فهي دولة صغيرة ومن حقها التوسع كما تشاء.
بذلك لم يعد للكيان الإسرائيلي حدود لارتكاب المجازر ولا رادع للحصار والتجويع ، بعد التصعيد اليومي من مستوى عدوانه على قطاع غزة وازدياد مأساوية الوضع ، وتفاقم سياسة الإبادة الجماعية التي ينتهجها ، فالصورة تنقل وبشكل يومي عشرات وأحيانا مئات الغارات على خيام ومدارس يفترشها النازحون الفلسطينيون بعد أن دمرت منازلهم وأحياءهم ، ويبدو أن الكيان الإسرائيلي كسر وقع الاستنكار والرفض لكافة أعماله الوحشية ، فقد أراد بهذه الاستمرارية في الإعدامات للفلسطينيين استباحة الدم العربي ، بالتالي ترك الشعب الفلسطيني الأعزل يواصل مواجهة مصيره بمفرده مع كل هذا الكم من الشر والحقد الإسرائيلي ، دون عون أو دعم أو حتى على الأقل تمكينه من الحصول على حقه في الغذاء والدواء.
اليوم وكما هو معلوم ان البيت الأبيض سيكون مسرحا للقاء المرتقب المقرر بين "ترامب- نتناتو" ، اذ أن "ترامب" سيستقبل "المطلوب الأول" للعدالة الدولية الإرهابي الملطخ بدم الشعب الفلسطيني "بنيامين نتنياهو" وما سيبحثه هذا اللقاء من ملفات سوداء حول التقدم في حرب الإبادة الصهيونية الممنهجة في قطاع غزة ومساندة دولة العدالة والقانون على الإبادة الشاملة بحق الشعب الفلسطيني .
اليوم تتواصل حالة انهيار الثقة الأمريكية مع الإصرار في دعم ومساندة الكيان الإسرائيلي بعمليته العدوانية الوحشية ضد الفلسطينيين ، فكيف لأكبر دولة في العالم وأكثرها حديثاً عن الديمقراطية والحقوق والعدالة والمدنية والحضارة ان تقبل القفز على الشرعية الدولية وان تحتضن مجرم حرب؟! .
والله ولي الصابرين