حين تتلاقى العواصم الثلاث .. تُكتب معادلة جديدة للسلام
د.مأمون الشتيوي العبادي
09-04-2025 02:00 AM
ليس لقاءً دبلوماسيًا عابرًا، ولا مجرّد قمة سياسية تكرّر ما قيل سابقًا…
بل هو تحوّل نوعي في موازين الحوار الإقليمي، حين اجتمعت القاهرة وعمّان وباريس في لحظة حرجة من عمر الشرق الأوسط.
اللقاء الذي جمع جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس إيمانويل ماكرون كان أكثر من اجتماع؛ كان تجسيدًا لنمط جديد من التحالفات الأخلاقية، حيث تتلاقى الإنسانية مع السياسة، والعدل مع الدبلوماسية، وصوت الضمير مع صوت القرار.
أهمية هذا اللقاء تكمن في تفرّده بثلاث ركائز جوهرية:
1. البُعد الإنساني:
لم يكن التركيز على لغة المصالح ، بل على لغة الألم القادم من غزة، من جثامين الأطفال، ومن البيوت المهدّمة، حيث طالب القادة بفتح المعابر وإيصال المساعدات فورًا…
في زمنٍ تُدفن فيه المشاعر خلف التصريحات الباردة، جاء هذا اللقاء ليُعلن أن الأخلاق لا تزال جزءًا من المعادلة.
2. القيادة الوازنة:
وجود الملك عبدالله الثاني، صاحب الرؤية الثابتة والهدوء ، منح اللقاء عمقًا استثنائيًا.
فهو لا يتحدث من موقع المراقب، بل من موقع الشريك في المعاناة، والصوت الحي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
3. تحالف العقلاء:
هذا اللقاء شكل تحالفًا بين قادة يدركون أن الحرب لا تصنع السلام، وأن ما يُبنى بالحوار يدوم، بينما ما يُنتزع بالقوة ينهار عند أول اختبار.
فأهمية هذا اللقاء لا تُقاس بعدد البيانات، بل بما أرساه من قيم: أن الشرق الأوسط لا يزال يملك فرصة، طالما أن هناك قادة يؤمنون بأن الكرامة لا تُؤجل، والعدالة لا تُساوَم.
هذا اللقاء لم يكن مجرد حدث… بل إعلانٌ بأن في زمن الضجيج، لا يزال صوت الحكمة مسموعًا.
بصفتي متابعًا ومختصًا في الشأن الفرنسي، فإنّ مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا اللقاء الثلاثي تحمل دلالات استراتيجية مهمة، ليس فقط على صعيد العلاقات الثنائية، بل في إطار التحول الواضح في السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط.
فرنسا، التي طالما سعت إلى الحفاظ على توازن معقّد بين دعمها التقليدي لإسرائيل وعلاقاتها التاريخية العميقة مع العالم العربي، بدأت في الآونة الأخيرة تتخذ مواقف أكثر وضوحًا، خاصة في ظل تصاعد الأزمة في غزة وتزايد الضغط الداخلي الأوروبي المطالب بمواقف إنسانية حازمة.
حضور الرئيس ماكرون في القاهرة إلى جانب الملك عبدالله الثاني والرئيس السيسي ليس فقط دعمًا دبلوماسيًا، بل هو إقرار بأن صوت الاعتدال في المنطقة – وتحديدًا الصوت الأردني – هو صوت لا يمكن تجاهله.
القيادة الفرنسية تدرك جيدًا أن الملك عبدالله الثاني يمتلك مصداقية عالية على الساحة الدولية، خاصة فيما يخص القضية الفلسطينية، التي لطالما حملها جلالته في خطاباته في المحافل العالمية، بصوت ثابت ومبدئي، يعبّر عن وجدان الشعوب لا فقط مصالح الدول.
في هذا السياق، تستفيد فرنسا من هذا اللقاء لترسيخ مكانتها كوسيط عقلاني قادر على التفاعل مع المحاور الإقليمية العربية، بعيدًا عن منطق الاصطفاف الكامل الذي أضعف الدور الأوروبي في أزمات سابقة.
ومن الزاوية الفرنسية، فإن اللقاء في القاهرة يُنظر إليه كإعادة تموضع استراتيجي لفرنسا في ملف الشرق الأوسط، من خلال بوابتين أساسيتين:
• الأردن، الحليف المحوري المعتدل صاحب الثقل الأخلاقي والسياسي.
• مصر، الشريك الإقليمي صاحب القدرة على التأثير الأمني واللوجستي في ملف غزة.
بالتالي، فإن أهمية اللقاء لا تنحصر فقط في البيان الختامي، بل في المعادلة التي بدأت تتشكل بين العواصم الثلاث، وهي معادلة تقوم على توازن جديد:
فرنسا بحاجة إلى صوت عربي معتدل ومسؤول، والعرب بحاجة إلى داعم دولي صادق، والأردن في المنتصف… يملك المفاتيح، والرؤية، والمصداقية.
* د. مأمون الشتيوي / مختص في اللغة والشوؤن الفرنسية