facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المواطنة والهوية الأردنية


أ.د سلطان المعاني
10-04-2025 10:50 AM

تنبثق المواطنة من علاقة مركّبة تعني الانتماء إلى كيان سياسيّ اسمه الدولة، والمواطنة تجربة شعورية ووجودية تُبنى على شبكة من المعاني العميقة التي تتداخل فيها الذات بالكل، والخصوصيّ بالعام، والواجب بالحق. إنها التقاء الوجدان بالواقع، واحتضان الأرض للفكرة، والفكرة للإنسان، والإنسان لوطنه. في السياق الأردني، لا يمكن الحديث عن المواطنة دون استحضار شعورٍ عميق بالتاريخ، تاريخٍ تشكّل في تقاطعات الجغرافيا والهُوية، وتجلّى في صور الكرامة والكبرياء، فأن تكون أردنيًا هو قدرٌ يُمنح ويُختبر.

من هنا تنشأ القيمة، بوصفها امتيازًا، وحِملٍ أخلاقي. إنّ المواطنة قيمة يتجلّى فيها احترامك لذاتك كما يتجلّى احترامك للآخر، ويتعيّن التزامك بما يتجاوزك نحو ما يشكّلك.

الالتزام يكون بما يُفرض من أنظمة وقوانين، وبما تمليه روحك من انضباط داخليّ، وبما تختاره من مسؤولية تجاه الإنسان والمكان. فالقانون مرآة للردع وإطارٌ ينظّم العلاقة بين الأفراد والمؤسسات، بين الحرية والنظام، بين الحقوق والواجبات، وبين الرغبة في التعبير والحرص على عدم الجور.

ولأن المعاني المتصلة بالمواطنة لا تتوقف عند سطح الكلمات، فإنها تنفتح على فعلٍ يوميّ صامت، لا تُصاحبه ضوضاء الشعارات. أن تقف في الطابور وتحترم الدور سلوك حضاري، وفعلٌ يعبّر عن قناعة ضمنية بأنك جزء من كُلّ، وأن لهذا الكل نظامه، وأنك لا تعلو عليه ولا تُعفي نفسك منه. وأن تحافظ على المال العام يعني أنك تدرك أن ما ليس لك، هو في الحقيقة لك بالمعنى الأوسع، لأن كرامة الوطن لا تتجزأ، والفساد، ولو كان صغيرًا، يطعن في نسيج المواطنة من حيث لا تدري.

ليس من السهل أن تكون مواطنًا في وطنٍ ما، فكيف إذا كان هذا الوطن هو الأردن، أرض التحدي والتوازن الدقيق، بين التاريخ والجغرافيا، بين المحيط المُلتهب والداخل الصامد، بين إرث الملوك ووجدان البسطاء؟ أن تكون أردنيًا يعني أن تحمل ذاكرة جمعية يختلط فيها صوت الجيش العربي بنداء أذان الفجر، وتلوح فيها صورة الراعي في البادية إلى جانب صورة الطبيب في المستشفى والمدرّس في المدرسة والعامل في الورشة، كلهم في نسيج واحد، لا تمايز بينهم إلا بالنية والعمل. يعني أن تعي أن القيم ليست مجرد دروسٍ في كتاب، بل سلوك يُختبر في السوق، في الشارع، في الإدارات العامة، في طريقتك في الإنصات، في اختياراتك الصغيرة التي تصنع فرقًا كبيرًا في وجه الوطن.

إنّ قيمة الاحترام لا تكتمل ما لم تكن شاملة: احترام الذات، والآخر، والقانون، والمكان، والتاريخ، وحتى الاختلاف. فالاحترام وعي فاعل بأن وجودك لا يكتمل إلا بوجود غيرك، وأن وطنك يتسع للجميع، حتى أولئك الذين لا يشبهونك، فهُم معك في المعادلة الكبرى. لهذا، لا يمكن أن تُجتزأ المواطنة إلى ولاء أعمى، ولا إلى معارضة عبثية، فهي التوازن الواعي بين الحُبّ والنقد، بين الدفاع عن صورة الوطن والاعتراف بالنواقص والعمل على إصلاحها. وهذا بحدّ ذاته أعلى درجات الالتزام، لأن الالتزام يكمن في تحمل مسؤولية الكلمة، والاقتراح، والبناء، وعدم الانسحاب من دورك كمكوّن في نسيج وطنيّ يتجدّد ويُعاد ترميمه باستمرار.

أما أن تكون أردنيًا، فهو ليس تعبيرًا بيولوجيًا عن مكان الميلاد، إنه عقد رمزيّ مع الأرض والتاريخ والمصير، عقدٌ يجعلك مؤتمنًا على ذاكرة ممتدة من مملكة مؤاب إلى أم قيس، من بصيرة إلى عمّان، من وادي رم إلى خربة التنور، من الثورة الكبرى إلى يومك الحاضر، حيث تُقاس المواطنة بما تعطيه. أن تكون أردنيًا هو أن تحتفي بتعدّديتك، وأن تفخر بهويتك، وأن تترفّع عن العنصرية، وأن ترى أن قوة الأردن تكمن في قدرته على أن يكون فسيفساء حية تتناغم فيها الأصوات دون أن تتنافر، وتتكامل فيها الأدوار دون أن تتصادم، وتلتقي فيها القيم دون أن تتنازل عن الثوابت.

المواطنة الأردنية، في عمقها، ليست فقط التزامًا قانونيًا ولا مجرد شعور بالانتماء، فهي تجربة حياتية كاملة تنصهر فيها كل هذه المفردات في لحظة وعي متجددة، تعي فيها أن الوطن هو بيتٌ معنويّ، يسكنك كما تسكنه، ويُربّيك كما تربي أبناءك. ولعلّ أنبل ما في هذا كله، هو أن تشعر بأنك، في كل مرة تمارس فيها فعلاً بسيطًا يراعي القانون، ويحترم الآخر، ويلتزم بقيم الحق والخير والعدل، فإنك تعيد بناء الأردن من جديد، بالوعي والنية الصافية والضمير الحي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :