الوقوع في مستنقع (السوشيال ميديا)
فيصل تايه
12-04-2025 10:29 AM
كل من يتابع بعين جادة لما يجري في بعض وسائل (السوشيال ميديا) يجد العجب العجاب! ، حيث تحولنا الى فضاء عام للمسطح اليومي العابر تستعمله جميع فئات المجتمع ، رغبة في اللجوء إلى عالم افتراضي مجهول ، فاستوطنت نفوسنا معظم الموبقات ، تلك حقيقة لا نستطيع إنكارها ، فجميعنا يعلم أن "فيس بوك، توتير" وغيرها شكلت تحديا أغرقنا في مستنقع من المياه الآسنة ، اذ أتاح للجاهل علميا وفكريا أن يتكلم ويرمي بما يحمل من حقد دفين ومخلفات هابطة وثقافة تحمل في طياتها البغض والكراهية والنزق الذاتي والغريب ، دون رقابة توقف مثل هذه المهازل والنتوءات التي تنبري بين وقت وآخر وتنفث سمومها وكراهيتها في أوساط المجتمع الافتراضي.
لذلك انا اقول اننا وفي هذا العالم الافتراضي ، لا يصح مجاراة أي ابتذال في النقاش بمثله، فالشخص الذي لا يحسن سوى استخدام السفاهة في القول والانحطاط في الأسلوب فإنه يحدد بذلك مستواه الأخلاقي ، ولا يصح أبداً لذوي العقول والإدراك تمكينه من جرهم إلى المستنقع الذي يرتع فيه ، فمثله يجب إهماله "أولى" من منحه أي اهتمام ، فالسفهاء والجهلة والحمقى موجودون في كل المجتمعات، وبالإضافة لهذه الشريحة، هناك أيضاً شريحة النرجسيين والشوفينيين المتعالين على المجتمعات الأخرى، وهؤلاء أيضاً يستحسن "إهمالهم" على اعتبار أنهم يعانون من علة نفسية تجعلهم يتخيلون ما ليس له وجود، وبدلاً من إضاعة الوقت في تصحيح وتفنيد آرائهم من الأفضل ترك الحقائق الملموسة والشواهد المرئية ترد عليهم.
ان ما نحتاجه في هذه المرحلة بالتحديد هو النأي عن المهاترات وإثارة الشحناء وإيغار الصدور ضد بعضنا البعض لأسباب لا تبرر ما يحدث ونشاهده في مواقع التواصل الاجتماعي من هجمات تتصاعد حدتها ويهبط مستواها إلى حضيض اللغة وقاع المفردات السيئة والأوصاف المبتذلة التي لا يليق استخدامها في مواقع يرتادها الملايين ، فهذا الإسفاف الذي يحدث ظاهرة خطيرة لأنه يستخدم لغة التعميم بسبب سلوك فردي او أخطاء وتجاوزات محدودة يجب أن تُحصر في نطاقها، فمن حقنا الدفاع عن انفسنا ضد أي إساءة، بل إن ذلك واجب علينا ، لكن الرد يجب أن يكون على المسيء ذاته، وفي حدود الموضوع المثار ، بيد أن ما نلاحظه هو اتساع دائرة الإساءات المتبادلة إلى حدِّ التطاول على رموز ومؤسسات وطنية وشخصيات اعتبارية، دون شعور بخطورة ما يحدث .
يحب ان نعي تماما أن هناك خفافيش كثيرة تملأ منصات التواصل وتتحين وقوع أي حادثة عرضية أو مشكلة عابرة كي تضخمها وتشعل أوارها وتخلق منها قضية خلاف محتدم يختلط فيه ذوو النوايا الحسنة بأصحاب النوايا السيئة ليصبح المشهد مسيئاً لكل الأطراف ، وهذا ما تهدف إليه الخفافيش المنفردة أو المنضوية تحت جماعات مشبوهة تسعى إلى بث الفرقة وخلق الاحتقانات وشحن النفوس تجاه بعضها البعض ، وتكون سبباً للفتنة دون مبرر منطقي أو سبب وجيه .
في اعتقادي كما غيري أن مثل هذه المنصات والمواقع السوشلية وجدت للتثقيف وصناعة المحتوى المفيد الذي يقارب بين مرتادي الفضاء الافتراضي ، فهي منابر للتعبير عن الآراء ومناقشة القضايا والاستفادة من المعلومات والأفكار، بما يتواءم مع روح العصر وثقافة التحضر ومبادئ الأخلاق وأسلوب الحوار والنقد البناء ، وأيضاً لكسب الصداقات وخلق علاقات إيجابية بين المجتمعات ، لكنها أصبحت ومما نرى ساحات مواجهات ومنازلات محتدمة تتجاوز حدود النقاش الملتزم بآداب الحوار، وتسيء إلى لنا ولمجتمعنا بشكل سافر يمكن أن يتطور إلى ما لا تحمد عقباه ، ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى الخواء الفكري والافلاس العلمي والتصحر الثقافي والموروث المجتمعي ولا يستطع التخلص من موروثاته وعاداته وسفاهته .
بقي ان اقول ان من واجب النخب المثقفة أن تنأى عن التورط في مثل هذه المناوشات العبثية، وإذا كان من دور لها فهو تصحيح المسار ومحاصرة التفلت والتنبيه لخطورة ما يحدث وكشف النوايا المستترة لمن يثيرون الزوابع، كما أن عليهم إضاءة الجوانب الإيجابية في علاقاتنا كي تتصدر واجهة الحديث بدلاً من التركيز على سلبيات يمكن أن تحدث لأي سبب ولا تمثل الأصل في العلاقات.
واخيراً فان العالم اليوم في سباق حميم في التكنولوجيا والتصنيع وعالم الفضاء والبعض منا لم يستطع (للأسف) أن يغادر تلك الأفكار التي تجعله حبيس افكاره الهابطه بكل مخلفاته الراديكالية والمجتمعية.!!
والله من وراء القصد