في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة ، يواجه الاردن حربًا كلامية شرسة تهدف إلى نشر الأكاذيب ، وصياغة الفبركات الإعلامية، والمعلومات المضللة ، والبيانات المزيفة، والصور المركبة ، بقصد تقويض وحدته والتحريض على الفتنة ، اذ ان "الأقلام" المسمومة و "الافواه" الملسونة تستهدف "الأمن المجتمعي" في زمن "الانحراف الإعلامي" في مخطط مشبوه لنشر "ثقافة الاستغباء" وبناء ثقافة تقوم على "الظن والانفعال" وليس على "الوعي المعرفي" ، فمن يقف وراء سياسة "غسل العقول" و"صناعة الكذب" خاصة في هذه الأوقات الحاسمة والتي من الضروري فيها أن يتكاتف الجميع تحت راية وطنية واحدة، مع تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات المستمرة التي تهدد أمننا واستقرارنا ؟!.
اننا وفي هذا المناخ المتوتر الذي يعصف بالمنطقة ، وفي ظل غياب للروايه الرسمية احياناً ، قد يجد المواطن نفسه في موقف صعب بين تصديق الأخبار المضللة أو التفاعل مع السرديات الإعلامية التي تروج لها أطراف معادية ، ما يخلق بيئة مشوهة من المعلومات ، حيث يصبح التمييز بين الحقيقة والشائعات أمرًا صعبًا ، كما وتزداد الريبة عندما يتم نشر اخبار متباينة عبر وسائل التواصل المختلفة ، خاصة حين يلجأ بعض من اطلقوا على أنفسهم "مثقفي الميديا" ومشاهيرها او "مذيعي التوك شو" ومن يحسبون انهم "إعلاميين" وليسوا الا "أشباه مثقفين" ليخلطوا "الحابل بالنابل" ، فتحولوا إلى تجار "مواقف وأفكار" فتاجروا باخلاقهم وروجوا لأفكارهم الخبيثة "كسلع" تباع وتشترى ، في محاولات دنيئة لتوتير الراي العام وإيقاعه في ارباك متعمد بهدف شقق وحدة الصف ، لكنهم في الحقيقة هم تجار "الخبث الإعلامي" يسهمون في تكريس "واقعهم المريض" وإعادة إنتاجه "بكامل علله" .
إنها حرب إعلامية ناعمة لا تراق بها دماء ، بل يجري غسل العقول من خلالها بأدوات تبسط أذرعها وأدواتها بطرق مختلفة ومتعددة تربك العقل والمشهد، وتزيف الواقع، وتحدث نوعا من الفوضى الاجتماعية والسياسية والأمنية ، من اجل تقويض الثقة بين المواطنين ، ونشر حملات تشويه تسهم في تراجع الروح المعنوية وتثبيط العزيمه في مواجهة الأزمات، وهذا يشمل أيضًا محاولات استهداف اداء مؤسسات الدوله ، لذلك يجب علينا أن نكون حذرين من محاولات استغلال الفضاء المفتوح ومنصات التواصل المشبوهه لمن "هب ودب" بهدف تفتيت وحدتنا الوطنية.
اليوم ، علينا تعزيز الجبهة الداخلية والتركيز على بناء الثقة بين مختلف شرائح المجتمع ، مع ضرورة تواصل مستمر بين الحكومة والمواطنين ، حيث يتلقى المواطنون المعلومات الدقيقة والشفافة ، وهذا يتطلب أن تعمل المؤسسات الإعلامية الوطنية بكل مهنية وموضوعية، لضمان تقديم رواية موحدة وصحيحة قادرة على مقاومة محاولات التلاعب والتحريف ، لذلك فان اي قرار حكومي قبل اصداره يجب ارفاقه بتبرير توضيحي مرفق مع حمله اعلامية مسانده ، اذ يكون للإعلام دور كبير في توعية المواطنين حول أهمية الوقوف خلف الدولة وعدم الانجراف وراء دعايات التضليل ، وفي هذا السياق لا بد من تعزيز الدور الرقابي على بعض وسائل الإعلام التي قد تروج للأخبار المضللة أو الانحياز لأطراف معينة.
نحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل نظامها الإعلامي وإلى رسم وتبني استراتيجية وخطة إعلامية واضحة الرؤى والمعالم ، استراتيجية إعلامية مرنة وموحدة ، فالإعلام الاردني بحاجة إلى آليات واستراتيجيات وطرق تسيير وإدارة تخرجه من إعلام الصالونات والبلاط إلى الشارع والواقع والرأي العام ليستطيع من خلالها تحديد مكانة مرموقة له، سواء محلياً أو عالمياً ، مع ضرورة تعزيز المنصات الإعلامية الوطنية التي تركز على نشر الحقائق والوقائع ، وهذه المنصات يجب أن تكون متاحة على جميع الأصعدة الإعلامية، بما في ذلك التلفزيون، الإذاعة، الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة .
كما وينبغي تطوير برامج إعلامية تهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز الوعي المجتمعي ، هذه البرامج يمكن أن تشمل الدفاع عن قرارات الحكومة ، وحملات توعية حول أهمية الوحدة الوطنية، والتهديدات التي تترتب على الانقسام الداخلي، وتأثير الحروب الإعلامية على أمن البلد ، وهذا يتطلب ايضاً التعاون مع وسائل الإعلام الدولية لإيصال الصوت الاردني إلى الخارج وتوضيح الحقائق ، اذ ان الإعلام الخارجي يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في دعم الجهود من خلال التعاون مع وسائل الإعلام الدولية المحايدة، كما يمكن للإعلام الخارجي أن يساهم في مكافحة الأخبار المزيفة التي يتم تداولها ، ويعزز من موقفه في المجتمع الدولي.
والله ولي التوفيق