الراية نَشيدُ المجدِ وترنيمةُ الهويّة
أ.د سلطان المعاني
17-04-2025 02:03 PM
يرتفعُ عاليًا ويخفقُ في ذُرى المجد، يحملُ معه نشيدَ الحرية الأولى، وترنيمةَ الثورة التي غزلها شريفُ مكة الحسين بن علي من خيوطِ الكبرياء والكرامة، لتصبحَ عنوانَ أمةٍ لا تنكسر وهامةَ وطنٍ لا ينحني. ينهضُ العلمُ الأردنيُّ فوق رؤوسِ النشامى، وتشدُّه سواعدُ الأبطال، وتُغنّيه قلوبُ الأمهات، كأنهن غزلنَهُ من هدبِ عيونهنَّ ليظلَّ نقيًا كنقاءِ أرواحِ شهدائنا، قويًا كقوةِ بأسِ رجالنا، زاهيًا بألوانِ العزةِ والفداءِ والسيادة.
علمُ المملكةِ الأردنيةِ الهاشمية، لوحةُ التاريخِ ومفتاحُ الهوية، تروي خطوطُهُ وألوانُهُ حكاياتِ المجدِ والنضالِ العربيِّ الأصيل. يُحدّثُ الأحمرُ فيه عن تضحياتِ الهاشميين، ويروي الأبيضُ حكايةَ سلامٍ عزّ نظيره، ويحملُ الأخضرُ معه الازدهارَ والخصوبةَ والتجدد، بينما يظلُّ الأسودُ شاهدًا على صمودِ العربِ الأحرارِ في وجه الظلمِ والاستبداد.
يرفرفُ علمُنا اليومَ فوق التلالِ والجبالِ والسهول، يخفقُ فوق شواهدِ التاريخِ الذي ابتدأ منذ أن سكنت الإنسانيةُ الأولى في عين غزال، ومنذ أن نحتت الأيادي الأردنيةُ مدينةَ البتراءِ من قلبِ الصخرِ الورديِّ الحيّ، ومنذ أن سطّرَ أجدادُنا قصائدَ البطولةِ في مؤتةَ واليرموكِ وحطينَ والكرامة. يهتفُ العلمُ فوق قلاعِ عمّان، يعلو فوق عتباتِ جرش، يُطلُّ من فوقِ وادي رم، ويقبّلُ وجه الشمسِ في عجلون، ويروي قصةَ حبٍّ بين الأردنيِّ ووطنه؛ قصةً تبدأُ بالعهدِ وتنتهي بالفداء.
نستظلُّ بظلِّ رايتِنا، نُرددُ مع الريحِ ألحانَ النهضةِ العربيةِ الكبرى، التي لم تكن سوى شرارةِ مجدٍ انطلقت من قلبِ الشريف الحسين بن علي، لتعبرَ بنا إلى دولةٍ تتجذرُ هويتها في التاريخِ، وتتطلعُ بأحلامها إلى أفقِ المستقبل. وها نحنُ اليوم، في يوم العلم، نجدّدُ عهدَ الولاءِ والانتماءِ لرايةٍ لم تسقط يومًا، ولم تنكسّر أمام عواصف الزمن.
نرفعُ علمَنا عاليًا، لنقولَ للعالمِ أجمع: هنا الأردن، هنا بلدُ النشامى الذين لا تُكسرُ لهم راية، ولا تُطوى لهم صفحةٌ من صفحاتِ المجدِ والعزة. علمُنا سيظلُّ شاهدًا، وسيظلُّ وعدًا، وسيظلُّ قسمًا في قلوبِ الأردنيين: أنَّ هذه الرايةَ ستبقى خفاقةً، ما دامت أرواحُنا تسكنُ في أجسادنا، وما دام الترابُ الأردنيُّ ينبتُ رجالًا ونساءً يستحقّون الحياةَ تحت ظلاله.
تخفقُ الرايةُ اليومَ على إيقاعِ حاضرٍ نصنعُهُ بأيدينا، حاضرٍ يمضي بنا نحو مستقبلٍ نريده مشرقًا بالعزمِ والإصرار. نُشيّدُ تحته نهضةً حديثةً، ونعلي في ظلالِه مناراتِ العلمِ والفكرِ والتقدم، فتبزغُ جامعاتُنا مدارسَ نهوضٍ ومعرفة، وتُزهرُ حقولُنا وفرةً وعطاءً، وتقومُ مدنُنا وقرانا شواهدَ حياةٍ متجدّدةٍ ومُستدامة. وستظلُّ رايتُنا الأردنيةُ خفّاقةً فوق رؤوس أبنائنا وبناتنا وهم يحملونها في قلوبهم وعقولهم، يشقونَ الدربَ نحو الغدِ الآمن، ويكتبونَ صفحاتِ المستقبلِ بحبرِ الطموحِ والإبداع، مؤكّدين أنّ المجدَ ليس حكايةَ الماضي فحسب، بل هو أيضًا وعدُ الغدِ ومشروعُ الأجيالِ القادمة، التي ستُكملُ المسيرةَ بروحِ الانتماءِ والإخلاص، رافعةً علمَ الأردن عاليًا، شامخًا، عصيًّا على الانحناء.