facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بشر ووطن .. يا تجار العالم


أ.د سلطان المعاني
20-04-2025 12:06 PM

الرفض هو أولى علامات الحياة. رفض الذل، رفض الصمت، رفض اختزال الإنسان في رقم، أو الوطن في خيمة. يولد الإنسان ويُربى على الحرية، يُعلَّم أن الكلمة سلاح، وأن الكرامة لا تُساوَم. النفي المتكرر لفكرة الخضوع هو ما يصنع الإنسان المقاوم، الذي لا يرى في القيد إلا لحظة مؤقتة، وفي الجرح نبوءة للشفاء الآتي.

الانتماء فعلٌ يوميٌ متجذرٌ في الأرض، وفي الذاكرة، وفي وجدان الناس. الانتماء لغزة ليس قرارًا سياسيًا، بل نسيج هوية، لا يُفككها الحصار، ولا تمزقها القذائف. الذاكرة الجمعية تحفر أسماء الشهداء كما تُنقش الآيات، تحفظ الوجوه، تُبقي الأسماء حيّة رغم الردم. لا يحتاج الوطن إلى اعتراف دولي بقدر ما يحتاج إلى قلوب تصدّقه، إلى أرواح تؤمن أن التراب معنى وامتداد.

التمسك بالأرض وعي بأن الخروج منها خيانة لآلاف الحكايات المدفونة في كل زقاق. والتهجير انتزاع للحق من جذوره، ونقل الإنسان من معناه إلى هامشه. البقاء في غزة حياة تسير عكس تيار الاستسلام، حياة تستمد معناها من كل طلعة شمس فوق الركام. والكتابة عن غزة فعل مقاومة، وثيقة، وشهادة على عالم فقد إنسانيته. كل جملة تُكتب عن غزة هي محاولة لترميم العدالة بالكلمات، وإبقاء صوت من لا صوت له في أذن العالم الذي يتظاهر بأنه أصم. الكتابة عنها ضرورة وجودية. فحين تُقصف الأحلام، لا يبقى لنا سوى اللغة لنرمم بها أطلال الأمل.

إن الاستشهاد نتيجة لواقع لا يترك خيارًا. لا يبحث الغزي عن الموت، لكنه يتقدم نحوه حين يصبح الصمت موتًا آخر. الشهادة في غزة فعل ولادة جديدة لفكرة لا تموت، لفكرة أن الإنسان الحر لا يُطوى تحت دبابات، ولا يُقنَع بجدران الفصل، ولا يُختزل في ملجأ بلا سقف.

التكرار القاتل لصورة الطفل الحافي، للجدة المذعورة، للبيت المهدوم، هو تكرار لفضيحة البشرية، لا لمعاناة غزة. الاستمرار في البثّ لا يُنقذ حياة، لكنه يُبقي على الحرج. الهرب من الحرج هو ما يجعل العالم يتجاهل غزة، لأنه أقرب مما يُحتمل.

القول بأننا لم نُخلق عبيدًا هو استعادة للحق الطبيعي في الكرامة، في أن نعيش دون إذن من قوة عظمى، أو "موافقة أمنية". نُولد أحرارًا، نحب كما نشاء، نعبد كما نشاء، نبني ونحلم ونمشي في طرقاتنا دون أن نخشى رصاصة قناص. هذه بداهة، لا رفاهية.

اللغة في وجه الاحتلال سلاح. كل "لا" تُقال هي رصاصة ضد محو الذات، ضد طمس الثقافة، ضد شطب الإنسان من خريطة المعنى. كل قصيدة تُقال في مخيم الشاطئ، كل زغرودة في جنازة، كل رسمة على حائط مدمر، هي فعل مقاومة. حتى البكاء حين يكون صادقًا، هو صوت من لا يستطيع أن يتكلم بعد.

المعنى الحقيقي للوطن يتجلى في العلاقات، في المشاعر، في التفاصيل الصغيرة. غزة وطن لأنها جذر في الحنجرة، ظل في الروح، اسم لا يُمحى من القلب. وطن يُكتب بالدم، ويُقال كمنشور حب، ويُحفظ كما تحفظ الأم وجه ابنها.

التأسيس لمستقبل حر يبدأ من الاعتراف بأننا لا نُخلق لنُقهر، ولا نُولد لنُؤدلج، ولا نحيا لنُباع ونُشترى في أسواق السياسة. نُولد لنكون أحرارًا، لنبني أوطانًا تشبهنا، لنحيا بكرامة، لا تحت رحمة أحد. والحرية، حين تُنتزع، تُولد من جديد في شكل مقاومة، في شكل قصيدة، في شكل أم تُرسل ابنها إلى المدرسة تحت الطائرات وتقول له: لا تنسَ أن تحلم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :