facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وادي رم مكتبة التاريخ الحضاري: خرطوش رمسيس الثالث


أ.د سلطان المعاني
20-04-2025 08:11 PM

تتشكل تضاريس وادي رم بصيغ سيميائية ترسم للعين دهشة وللوجدان جذورًا، فيُعاد من خلالها إنتاج معنى الانتماء للأرض، وتأصيل مفهوم الموطن في ذاكرة الصخر. وتتوالى على جدران الوادي النقوش والرسوم والوسوم، وتتنوع في مرجعياتها ما بين الثمودية، والنبطية، والعربية الشمالية، والإسلامية المبكرة، فيتأكد عبرها أن وادي رم كان قرارًا واستقرارًا وعبورًا متكرّسًا بالانتماء.

تُجسّد النقوش الكتابية والرسومات حركة تاريخية تتجاوز أدوات التسجيل العادي إلى استبطان المعنى الحضاري. وتنتظم عبرها مسارات القوافل والتجارة العابرة للحدود الجغرافية، حيث تتقاطع خطوط مصر والشام والحجاز على جدار وادٍ تكلّلت قممه بالشمس وصيّرتها شاهدة على السائرين والراحلين.

ترتكز واجهات جبل الخزعلي وأم عشرين على مواضع نقوش تفصح عن أسماء، وأدعية، ورموز طقسية، وتوحي بأداء شعائري ارتبط بالماء، والمأوى، والسكينة. وتتشارك مع النقوش الأخرى في تمثيل التعدّد، والثراء، والتفاوت الخطي الذي يؤشر على انتقال الخط من النبطية إلى العربية المبكرة، وما حمله هذا الانتقال من مرونة وجمالية توليفية.

تترابط النقوش مع محيطها الدلالي، فتعكس صورة حية لحياة العرب على اختلاف مشاربهم، وتوثّق توزعهم وطقوسهم اليومية، وتُظهر اندماجهم مع مكونات البيئة، من حيوان ونبات وماء، بما يشكّل بنية سيميائية متماسكة بين النص والمكان.

يتموضع النقش الهيروغليفي الذي يحمل خرطوشًا باسم الفرعون رمسيس الثالث ضمن هذا السياق المتراكم من الدلالات. ويعكس هذا النقش المكتشف في جنوب شرق رم بعدًا استثنائيًا في التفاعل الحضاري، إذ يشير إلى الامتداد المصري العميق جنوب بلاد الشام وشبه الجزيرة. ويتضمن نقشًا مزدوجًا لاسم رمسيس، اسمه عند الولادة، واسمه الملكي عند توليه العرش، فيدل على حضور فرعوني فعلي أو رمزي في تلك الأنحاء.

تتأطر أهمية الخرطوش في دلالته السياسية والعسكرية، وفيما يكشفه من طموح مصري للسيطرة على طرق التجارة ومعادن النحاس والذهب، وتعزيز النفوذ في مناطق إنتاج الثروات الطبيعية. ويُعد هذا الخرطوش أول دليل مادي هيروغليفي يُكتشف داخل الأراضي الأردنية، ما يجعله لبنة جديدة في بناء سردية تداخل الحضارات الكبرى في رحاب رم.
تُبرز وزارة السياحة والآثار هذا الاكتشاف باعتباره نقلة نوعية في فهم التراث الكتابي الأردني، وتفتح من خلاله أبواب التعاون الأكاديمي الإقليمي. وتسهم تفاصيل النقش في تعزيز الرؤية العلمية حول حملة رمسيس الثالث إلى الجزيرة، وتتلاقى مع دلائل أخرى ظهرت في تيماء وسيناء والنقب.

تتداخل دلالات النقش الفرعوني مع باقي نقوش رم، فينسج الخرطوش الهيروغليفي ذاته داخل السردية الكبرى للوادي، بما يحمله من توثيق لمراحل الحضارات وتحوّلات المكان. ويمنح رم شهادة جديدة على أنه فضاءٌ للذاكرة، وفاعلٌ تاريخيٌ يُعاد اكتشافه مع كل نقش جديد.

وفي سياق متصل، يتكوّن المشهد التاريخي في جنوب الأردن من خطين كتابيين متوازيين يتركان أثرهما على الصخر: نقش هيروغليفي لرمسيس الثالث في وادي رم، ونقش مسماري للملك البابلي نابونيد في السلع – بصيرا. يتقدّم كل نقش منهما بوصفه إعلانًا رمزيًا عن حضور حضاري مدجج بالرغبة في تثبيت السيادة على طرق التجارة القادمة من الشرق الأقصى إلى سواحل المتوسط. ويتقاطع حضور رمسيس الثالث على واجهة رم الحجرية مع حضور نابونيد على واجهة السلع الصخرية، ويُشكّل كلاهما وثيقة وجود عسكري – اقتصادي هدفه اقتناص الطرق الممتدة من تيماء وتبوك والأنبار باتجاه غزة وصور، عبر النقب وفجوة رم وبصيرا. يتحقق التنافس على هذه النقاط الجغرافية بعين استشرافية ترصد مسالك القوافل والكنوز، وتحاول تأمين معادن سيناء، ونحاس وادي عربه، ونقاط الماء الحيوية، ومحطات إعادة التموين على امتداد الطريق التجاري الكبير.

يتبلور حضور رمسيس عبر خرطوش مزدوج، يحمل اسمه واسمه الملكي، بوصفه علامة ملكية مرسومة لإحياء الذكرى، ولتكريس الحدود. ويتبلور حضور نابونيد في نقش يتضمن تعظيمًا للذات الملكية، وخطابًا نذريًا يعكس توظيفًا دينيًا للسلطة، وتسجيلًا لموضع كان بؤرة استراتيجية في الجنوب الأردني.

تتقاطع دلالات النقشين في كونهما تجسيدًا لصراع القوى الكبرى على برزخ القوافل، وتكثيفًا رمزيًا لصوت الحضارة في صراعه مع التضاريس، فبين وادي رم والسلع تسكن النقوش، ويسكن التنافس التاريخي الذي يمتد من طيبة إلى بابل، ومن البتراء إلى المتوسط.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :