الإخوان .. كفاح أم لُفَّاح
د. محمود الشغنوبي
22-04-2025 11:04 AM
منذ نشأتها وحتى اليوم، ظلت جماعة الإخوان تمثل لغزًا سياسيًا كبيرًا. فهي من ناحية تقدم نفسها كحركة إصلاحية تدعو إلى تطبيق الشريعة، ومن ناحية أخرى تكشف ممارساتها عن مشروع سياسي لا يخفي طموحه للسلطة. هذه الازدواجية تجعلنا نتساءل: هل كان مسارهم نضالًا مشروعًا أم مجرد تلاعب بالوعي الجمعي للمجتمعات العربية؟
في مصر، حيث كانت بدايتهم الأولى، قدم الإخوان أنفسهم كبديل سياسي معتدل. لكن التجربة العملية كشفت عن عكس ذلك تمامًا. فبمجرد وصولهم إلى سدة الحكم، بدأت ملامح المشروع الحقيقي في الظهور. محاولات تغيير هوية الدولة، وإقصاء المخالفين، والتعديلات الدستورية التي تخدم أجندتهم الخاصة، كلها دلائل على أنهم كانوا يبحثون عن السلطة أكثر من بحثهم عن الإصلاح.
الأمر لم يختلف كثيرًا في الأردن. هنا، عمل الإخوان بذكاء تحت مظلة الجمعيات الخيرية والدعوية، مستغلين المساجد والمنابر لنشر أفكارهم. لقد تحولوا إلى لاعب سياسي رئيسي رغم عدم اعتراف الدستور بالأحزاب الدينية، مما يطرح تساؤلات كبيرة عن طبيعة العلاقة بينهم وبين الدولة. ففي بعض الأحيان كانوا يظهرون كمعارضة شرعية، وفي أحيان أخرى كانوا يتحولون إلى شريك سياسي عندما تخدم مصالحهم ذلك.
هنا.. أتذكر كلمة "لُفَّاح"، وهذه الكلمة للنبات السام الذي ينمو متسلقاً - وهو نبات بري سام، يُستخدم في الطب بجرعات محدودة، لكنه قد يكون قاتلاً إذا زاد عن حده.
وكذلك فعل الإخوان؟ تسللوا إلى جسد الأمة تحت شعارات براقة، متخذين من الدين غطاءً، لكن سمومهم السياسية أفسدت أكثر مما أصلحت.
تماماً كما يتسلق نبات اللُفاح على الأشجار ويخنقها، تسلل الإخوان إلى مؤسسات الدولة والمجتمع. بدأوا كحركة دعوية، ثم تحولوا إلى تنظيم سياسي يريد احتكار الحقيقة والسلطة.
واللُفاح نبات مخادع - يظهر بأوراق خضراء جميلة لكن ثماره سامة - وكذلك الإخوان، يظهرون بخطاب معتدل لكن ممارساتهم تحمل سموم التطرف والإقصاء.
ومن عجيب التشابه أن اللُفاح رغم سمومه يدخل في بعض العلاجات، وكذلك الإخوان قدموا بعض الأعمال الخيرية والاجتماعية، لكنها كانت مجرد غطاء لمشروعهم السياسي.
تماماً كما يستخدم اللُفاح في الطب بكميات ضئيلة جداً، فإن أي دور سياسي للإخوان يكون خطيراً إذا زاد عن حده.
الأهم أن اللُفاح نبات متسلق لا يستقيم بنفسه، بل يحتاج إلى دعامة يتكئ عليها. أليس هذا حال الإخوان الذين تارة يتكئون على الدين، وتارة على السياسة، وتارة على المشاعر الشعبية؟ إنهم لا يقفون على أرضية صلبة من المبادئ الثابتة، بل يتكيفون مع الظروف كما يتكيف المتسلق مع دعامته.
في النهاية، اللُفاح نبات غازٍ يهدد النباتات الأصلية، وكذلك الإخوان كانوا دائماً خطراً على النسيج الاجتماعي والسياسي للدول التي تواجدوا فيها. الفرق أن النباتات السامة يمكن اقتلاعها بسهولة، أما الأفكار السامة فتبقى آثارها لسنوات طويلة.
وسلامتكم..