كثيرًا ما نُربّى على القيم النبيلة كالعطاء والإيثار والتقدير والمروءة والأمانة والوفاء، وغيرها الكثير من أجمل الصفات الأخلاقية وأرقاها، فنمنح قلوبنا بسخاء، ونُقدّم الخير دون انتظار المقابل، ونواسي الآخرين ونحن نكتم أوجاعنا بصمت، نظنّ، وبكل عفوية، أن ما نقدّمه سيُقابل بما يُشبهه، إلى أن نصطدم بالحقيقة.
الأنانية في هذا الزمن ليست طبعًا طارئًا، بل أصبحت مظهرًا مألوفًا، البعض لا يرى في الحياة إلا نفسه، لا يُبصر إلا حاجاته، ولا يعرف من العلاقات إلا ما يُرضيه، بينما الإيثار – تلك القيمة الراقية – بات يُساء فهمها، ويُنظر إليها على أنها ضعف أو سذاجة.
لكن، صدقوني، الإيثار ليس ضعفًا، بل هو قوة لا يُجيدها إلا النبلاء، وأن تكون معطاءً في عالمٍ مليء بالأنانية، هذا تحدٍّ عظيم لا يقدر عليه إلا الأوفياء.
وبلا شك، الوفاء لا يعني أن نُهدر أنفسنا في سبيل من لا يستحق، لا يعني أن نستنزف قلوبنا في علاقات لا تُثمر، ولا أن نُبرّر للذين اعتادوا الأخذ دون شكر.
لقد حان الوقت أن نُحب أنفسنا كما نحب الآخرين، أن نُحسن إلى ذواتنا كما نُحسن إلى غيرنا، أن نُعطي، نعم، لكن لمن يستحق، وأن نُسامح، نعم، لكن بوعي، وأن نكون نُبلاء، لكن ليس ضحايا.
وبالتأكيد، يجب أن لا نندم على كوننا بهذا النُبل، بل يجب أن نعتزّ بأنفسنا، ونبقى كما نحن… فقط بحكمةٍ أكثر، وحدودٍ أوضح، وقلبٍ لا يزال يُحسن، لكن لا يُستغل.