حكم الأحتفاء بذكرى مولد رسول الهدى
د. ضرار غالب العدوان
26-04-2025 11:19 AM
بدايةً، أن الحديث عن المولد النبوي الشريف مناسبة جليلة ذات قدسية عظيمة، ومكانة لا نظير لها لدى مسلمي العالم في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا وهي مناسبة ميلاد أعظم وأشرف شخصية على مر تاريخ البشرية على الأطلاق، وهو سيدنا -محمد صلى الله عليه وسلم- والذي بعثه رب العزة والجلالة رحمة للعالمين.
ففي الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري، يحتفي المسلمون- جميعاً -بمناسبة عظيمة متأصلة في وجدانهم ومتجذرة في نفوسهم وعزيزة على قلوبهم ، إلا وهي ذكرى ميلاد أشرف الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- والذي أرسى بالحكمة والموعظة الحسنة دعائم خالدة للحضارة الإنسانية قاطبة، فرسالته الخالدة- صلى الله عليه وسلم- حملت الأمن والأمان والأطمئنان والسلام والسكينة لكافة بني البشر.
وفي ذكرى مولد النبي- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -
نتذكر بأجلال بأن البشرية قبل مولده المبارك قد كانت تعاني من ويلات الجهل والعماية والضلال، وقد كان الناس - حينذاك - يعبدون الأصنام والأوثان، ويعيشون في ظل فوضى أخلاقية وأجتماعية خلاقة، ولكن منذ بزوغ فجر مولده الشريف، قد أشرقت شمس الهداية، وبدأت رسالته التي قادها بحكمته وصدقه وأمانته تغير مجرى التاريخ، ولتصبح نقطة تحول مفصلية في حياة البشرية جمعاء.
فمنذ بدء الخليقة وإلى أن تقوم الساعة لم ولن تعرف البشرية ابداً إنساناً خلق أو سيخلق أنبل أو أشرف أو أعظم أو أكرم أو أعز على الله - سبحانه وتعالى- من سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- كما أن البشرية لم ولن تعرف معلماً أحسن تعليماً وتهذيباً وتطبيقاً عملياً للسماحة والرحمة واللطف أكثر منه، فقد كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً وأصفاهم نفساً وأعظمهم داعياً ومعلماً وأكثرهم سماحة وتقوى.
ومما لا شك فيه، ولا ريب يعتريه، أن الأحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف ليس مجرد تذكير بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو فرصة ينبغي علينا أن ننتهزها لتجديد العهد مع الله - عز وجل - والسير على نهج رسولنا الكريم، وفي هذه المناسبة العطرة بالذات ينبغي علينا أن نتذكر الرسالة الخالدة التي جاء بها سيدنا- محمد صلى الله عليه وسلم- والتي تضمنت كل قيم الرحمة والتسامح والتآلف والتآخي والعدل والمساواة، وبناءً عليه، فإن الأحتفاء بهذه الذكرى الجليلة يعزز في نفوسنا حب النبي والاقتداء بنهجه القويم في حياتنا اليومية.
وفي ذكرى المولد النبوي الشريف، يستحسن الذكر والأكثار من الصلاة والسلام على الشفيع لنيل شفاعته في يوم القيامة، كما ينبغي علينا أن نغتنم هذه الذكرى ونستغلها بكل ما هو مفيد ونافع، وذلك من خلال المثابرة على عمل الخير - على أختلاف أنواعه - وذلك بأن نقدم الصدقات ونستذكر الأحاديث النبوية الشريفة والسنن.
وحري بنا في هذا المقام لفت الأنظار إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد ولد في عام الفيل، وذلك في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وقد كان مولده حدثاً عظيماً إذ أشرقت الدنيا بنور وهاج جديد، وقد أختير من قبل الله - عز وجل - والذي أصطفاه ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد ولد عليه الصلاة والسلام يتيماً، ولكن الله تبارك وتعالى قد حفظه ورعاه، وبدأت رحلته المظفرة من رحاب مكة المكرمة إلى قلب المدينة المنورة، حيث نشر رسالة الإسلام السمحة، وأسس الدولة الإسلامية على أساس من العدل والمساواة وأحترام حقوق الإنسان.
أن كتب السيرة والتاريخ مليئة بالمواقف التي تبين رحمة النبي- صلى الله عليه وسلم- وعطفه على كافة المسلمين، وقد شهد الله تبارك وتعالى لنبيه العظيم في القرآن الكريم بصفة الرحمة، إذ قال جل جلاله في محكم تنزيل كتابه العزيز في سورة التوبة ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) صدق الله العظيم.
وإذا ما عدنا إلى سيرته العطرة وتحدثنا عن السجايا الحميدة والخصال الفريدة للرسول- صلى الله عليه وسلم- فلا بد لنا من التذكير بأن الله- تبارك وتعالى- حين خص النبي بالمديح والثناء في القرآن الكريم قد وصفه بأنه ذو خلق عظيم، إذ يقول تبارك وتعالى عن نبيه الكريم في محكم تنزيل كتابه العزيز " وأنك لعلى خلق عظيم " ولذلك بعثه عز وجل ليتمم مكارم الأخلاق.
ومن الجدير بالذكر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد كان يخدم نفسه بنفسه، فلا يثقل على كاهل أهل بيته بأية طلب، وقد كان يجهز كل ما يحتاج إليه من تلقاء ذاته، وذلك من دون أن يلقي أوامره على أحد على الرغم من أنه نبي هذه الأمة، وقد كان عليه السلام يلتمس العذر للجميع، ويدعو لهم بالهداية والصلاح، وقد كان عليه السلام أكثر الناس إخلاصاً وحباً لفعل الخير ، وقد كان جواداً كريماً معطاءً إلى أبعد الحدود.
ليس هذا فحسب، فقد ضرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في العدل، إذ طبق شرع الله جل جلاله على القريب والبعيد - على حد سواء - وفي موقف يذكره التاريخ ويخلده بأحرف من نور، حاول الصحابي الجليل أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن يتشفع لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمرأة مخزومية قد سرقت، فتغير وجه النبي الكريم وقال: ( والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد قد سرقت لقطعت يدها ).
وهناك الكثير والعديد من المواقف في سيرة سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- العطرة، والتي تدلل على أن العدل والحلم والتواضع والكرم والزهد والصبر من صفات وخصال الرسول- صلى الله عليه وسلم- الأصيلة، هذا فضلاً عن عدله عليه السلام بين زوجاته، فقد كان النبي العظيم أعدل الناس وكان يحكم في كل واقعة بشرع الله سبحانه وتعالى.
هذا، ولولا الخشية من أن تطول هذه المقالة، لأستطردت في تبيان الكثير من الصفات والخصال والسجايا لنبي هذه الأمة، ولكن بقي القول بأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان أعظم الناس خلقاً، وذلك حتى قبل أن يبعثه الله - عز وجل - برسالة الإسلام السمحة، فقد كان معروفاً لدى قومه بالصادق الأمين، وذلك كناية عن شدة صدقه وأمانته، فلم يكذب في حياته قط، ولم يؤذي إنسانا أو حيواناً أو حتى نباتاً، بل كان حسن خلقه مثل الماء العذب الفرات الذي لم يتلوث بأي شائبة، وبناء عليه فقد كانت قبيلة قريش تحتفظ بأماناتها عنده، وذلك لأنه كان يحفظ الوديعة ويردها ويوفي بالعهود.
وأخيراً وليس اخرا ، إذا كان المقام لا يتسع لبسط إلا النذر اليسير من صفات وخصال وسجايا وسيرة نبينا العظيم ، فإنني أختم مقالتي هذه بالقول على الرغم من أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، إلا أنه كان أكثر الناس حفظاً وأكثرهم ذكاء وفطنة، وقد علم القرآن الكريم لأصحابه على الوجه الأمثل.