ما بين مُشكك ومؤكد، هوائي ووطني، عائم وعالم، عاطفي وعقلاني، ظالم وعادل، وما بين الغرف المُغلقة والجلسات المُفعمة، المحاضرات الرنانة واللقاءات الجذابة، وفي خضم أحداث سياسية معقدة واقتصادية متشعبة، تظهر المزايدات المختلفة فمنها الثقافي والاجتماعي، ومنها المناطقي والعشائري، العلمي والعملي ! ولعل أبرزها وأخطرها الوطني والديني ...!
لطالما كانت المنافسة حقاً مشروعاً في حب الأوطان والإلتزام بتعليمات الأديان، ولكن المزايدة فيهما أصبحت ظاهرة سلبية تستوقف التحليل لا التأويل، فإتهام الآخرين بضعف الوطنية وبطريقة سلبية بات أمراً غير مقبول ! والتباهي والتباكي على بعض القضايا الوطنية أو العربية على أنها قضايا فردية لدولة أو فئة دون غيرها لم يعد موقفاً وطنياً إيجابياً بل أسلوباً إستفزازياً أنانياً ...!
لطالما كانت الوطنية عروبية أو إسلامية أو دولية أمراً فطرياً، فحب الأوطان لا يقتصر على وطن دون غيره، فهو ليس بضاعةً أو لهجةً أو عقاراً أو مصلحةً تباع وتشترى هنا أو هناك، وإنما حكاية ليس لها نهاية وتاريخ لأجيال كان لهم شرف البداية، فالأوطان قصة تحاكي الأذهان وعبيرها مستمر عبر الأزمان.
للأسف وعبر السنين، أصر البعض على تقمص دور الوطني الذائد عن حمى الوطن عبر متاجرة كان هدفها الأسمى تحقيق مصالح شخصية بإسم الوطن والمواطن ! كما وأصر البعض بين الحين والآخر على المتاجرة بإسم الوطن ضارباً مستقبل وطنه عرض الحائط وتحت مسميات متعددة فرأى بعضهم نفسه منقذاً للدولة، ورأى البعض الآخر أنه صاحب المصادر المطلعة والموثوقة ليسجل اسمه في سجل الحضور…!
بكفي، كلمة تنادى بها أبناء الوطن في كثير من أوقاتهم لمن جعل من الوطن شماعة لمواقفه الذاتية وطريقة تفكيره الاستفزازية، فأضحت تجارتهم العاطفية غير قابلة للشراء واستخفافهم بعقول وعواطف المواطنين أمراً غير مساغ ..!
لقد أشبع المواطن عبر أيامه ولياليه بتحليلات سياسية وتقارير إعلامية كانت تتحدث عن الهموم الوطنية والعربية، ابتعد جزء منها عن الفهم العميق والتحليل الدقيق في وصف الأحداث، فغدت أقوالاً شعبوية تتداول عبر المجالس ولم تقدم في رصيد إنجازات الوطنية والعروبية إلا زيادة في خطاب الكراهية ودفعاً للبعض إلى رؤيةٍ ضبابية وأحلام وردية.!
لقد أراد البعض ممن ادعوا الوطنية أن يسجل عبقريته الفذة في التحليلات والتفسيرات، الاستنتاجات والادعاءات، وشتان بين أن تزرع الأمل وتسقيه ليصبح غابة من الوعي والعمل، وبين أن تبيع الكلام لتحصد شعبية ما، أو توهم البعض أن طريق الصواب ليست من ذلك الباب بل من ذلك الباب…! وما بين باب وطني حقيقي وآخر وهمي سلبي تضيع الآمال وتحل محلها الأغلال .!
الوطنية مسألة عقائدية وفطرية، تتطلب من الجميع العمل لها لا عليها، فالأوطان تبنى من خلال العمل المبني على الإيجابيات والإنجازات، مواجهة التحديات وتقديم التضحيات، لا على السلبيات والإساءات، الافتراءات والتجاوزات..!