الجامعة الهاشمية والتكامل الأكاديمي العربي
أ.د سلطان المعاني
27-04-2025 07:30 AM
يشكّل التكامل الأكاديمي العربي أحد أبرز المسارات الاستراتيجية لتفعيل دور الجامعات في نهضة الأمة، وتجسيد حضورها في زمن تتزاحم فيه التحديات العلمية والمعرفية. وتدعو الجامعة الهاشمية، من خلال مشاركتها في المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية المنعقد في الكويت، إلى تفعيل أعمق وأكثر واقعية لهذا التكامل، متجاوزة حدود التنظير إلى ميادين الفعل والتطبيق، ساعية إلى بناء فضاء معرفي عربي مشترك ينهض بالإنتاج العلمي، ويعزز من دور الجامعات العربية كمحور للنهضة الشاملة.
ويُفهم التكامل الأكاديمي على أنه تنسيق منهجي وشامل بين مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي، يهدف إلى توحيد الجهود البحثية والتعليمية، وتبادل الخبرات الأكاديمية، وفتح آفاق جديدة للطلبة وأعضاء هيئة التدريس عبر مبادرات تعاونية وبرامج مشتركة. وأن يبتعد هذا التكامل عن النمط التقليدي للتعاون، ليصبح إطاراً متكاملاً يوظف الموارد بفاعلية، ويوائم بين خصوصيات كل جامعة وبين متطلبات المشروع الأكاديمي العربي الموحد.
وتؤمن الجامعة الهاشمية بأن هذا التكامل ضرورة تاريخية تُحتِّمها ظروف التشرذم المعرفي، وواقع التجزئة البحثية، وتراجع التأثير العربي في مخرجات البحث العلمي العالمي. ولذلك، فإن مثل هذا الطرح يمثل رؤية تقوم على الشراكات التبادلية، وإنشاء منصات إلكترونية تعليمية موحدة، وتطوير أنظمة الاعتماد الأكاديمي بما يراعي المقاييس العالمية ويحفظ الخصوصية الثقافية. كما يدعو هذا الطرح إلى إنشاء مجلس عربي موحد للبحث العلمي تكون مهمته توجيه التمويل والتنسيق بين المشاريع الكبرى ذات الأولوية المشتركة، وقد يكون تحت مظلة اتحاد الجامعات العربية.
يتطلب تحقيق هذا التكامل توفر إرادة سياسية نزيهة، ودعماً مؤسسياً حقيقياً من الحكومات، وإعادة بناء الثقة بين الجامعات العربية. وتدعو الجامعة الهاشمية في هذا الطرح إلى خلق آلية تقييم دقيقة وشفافة لمخرجات التعاون الأكاديمي، وتوفير الحوافز التي تشجع الجامعات على تجاوز المصالح الضيقة نحو خدمة المشروع الأكاديمي العربي الأوسع. كما ترى أن التكنولوجيا الرقمية تُعد أداة مركزية في ربط الجامعات وتعزيز التفاعل المعرفي وتوفير محتوى تعليمي موحد ومتجدد.
تتيح التجربة العربية في العمل المشترك فرصاً واعدة للتكامل الأكاديمي، إذا ما تم البناء عليها بمنهج علمي بعيد عن الشعارات، قائم على تحليل الاحتياجات، وتحديد الأولويات، وبناء شبكات من الباحثين تعمل وفق رؤية موحدة. ويتجلى الأمل في أن يتحول اتحاد الجامعات العربية من هيئة تنسيقية إلى مظلة تنفيذية فاعلة، تدير برامج مشتركة، وتمنح شهادات أكاديمية مزدوجة، وتدعم التنقل العلمي بين مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي.
والجامعة الهاشمية في هذه الدعوة التي جاءت خلال كلمة الأستاذ رئيس الجامعة خلال المؤتمر ترى أن التكامل الأكاديمي العربي لا يمكن أن ينجح دون استعادة الثقة بالجامعات العربية كبيئات فاعلة للإبداع والنقد والمعرفة. فبناء هذه الثقة يبدأ بتطوير السياسات، وتعزيز حرية البحث، واحترام التنوع الفكري، وتبني استراتيجيات تعليمية تقوم على البحث لا الحفظ، وعلى الابتكار لا التكرار. كما يتعين على هذا التكامل أن يعكس تطلعات الشباب العربي، ويوفر لهم أدوات النهضة المعرفية، ومجالات العمل البحثي والإبداعي.
إن دعوة الجامعة الهاشمية هذه هي بمثابة الدعوة إلى ضرورة العمل الجاد نحو تحقيق هذا الحلم الممكن، انطلاقاً من الكويت، ومن منصة اتحاد الجامعات العربية، ليكون هذا المؤتمر نقطة انطلاق فعلية لبناء مستقبل أكاديمي عربي مشترك، تتكامل فيه الرؤى وتتشابك فيه الجهود، ويولد منه خطاب أكاديمي عربي جديد، يعيد للجامعة دورها الحضاري، ويمنح العقل العربي فضاءه الرحب للتفكير والإبداع.