شهد الذهب أداءً مميزاً خلال العام 2024، حيث بلغ ذروته في أكتوبر عند 2,790 دولارًا للأونصة، محققًا ارتفاعًا سنويًا قدره 27 %، في بيئة عالمية مضطربة اتسمت بتصاعد التوترات الجيوسياسية، والضغوط التضخمية، وتذبذب السياسات النقدية، إلى جانب تعزيز عدد من البنوك المركزية لاحتياطاتها من الذهب، مما زاد من جاذبيته كملاذ آمن.
وبحلول أبريل 2025، أصبحت الأسعار اكثر تميزاً واستثنائية إذ تجاوز الذهب حاجز 3,400 دولار للأونصة لأول مرة، مرتفعًا بأكثر من 26 % منذ بداية العام. ويُعزى هذا الأداء القوي إلى تراكم عوامل إضافية أبرزها ضعف الدولار الأميركي، وتصاعد الحروب التجارية العالمية، مما ساهم في استمرار تدفقات المستثمرين نحو الذهب بوصفه أصلًا تحوطيًا في أوقات الاضطراب.
عند النظر إلى أداء الذهب على المدى الطويل، وتحديدًا خلال الخمسين عامًا الماضية، يتبين أن المعدن الأصفر قد حقق عائدًا سنويًا اسميًا بلغ نحو 5.3 %، في حين تراوح العائد الحقيقي (بعد خصم التضخم) بين 1 % إلى 2 % سنويًا. ويعكس هذا الأداء طبيعة الذهب كأداة لحفظ القيمة أكثر من كونه وسيلة لتحقيق نمو رأسمالي مرتفع. في المقابل حقق مؤشر S&P 500 عائدًا سنويًا مركبًا يقارب 10 % خلال نفس الفترة، بما في ذلك توزيعات الأرباح، التي تمثل مكونًا محوريًا في تعزيز العوائد الكلية للمستثمرين في أسواق الأسهم.
أما خلال العشرين سنة الماضية التي تُعد من أبرز فترات ازدهار الذهب بفضل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة واجواء عدم اليقين المتفاقمة مثل الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد- وما تلاها، برز كخيار دفاعي مميز ومنافس قوي حيث بلغ متوسط العائد السنوي المركب للذهب حوالي 9.7 %. في المقابل حقق مؤشر S&P 500 خلال الفترة نفسها عائداً سنويًا بلغ 9.0 % لنفس الفترة، بما في ذلك الأرباح المعاد استثمارها.
يُعد الذهب من بين الأصول المالية الأكثر جذبًا للمستثمرين على مستوى العالم، كما أن حركته السعرية تكون في كثير من الأحيان قابلة للتوقع نسبيًا نظرًا لارتباطه العكسي بأداء الدولار الأميركي؛ إذ غالبًا ما يرتفع الذهب عند تراجع الدولار والعكس صحيح.
ولا يشترط الاستثمار في الذهب امتلاكه بصورته المادية، إذ أصبح بإمكان المستثمرين تملّك وحداته الرقمية من خلال صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) أو العقود الآجلة، ما يوفر مرونة عالية في بناء المحافظ الاستثمارية وفق درجة التحمل للمخاطر، والظروف الاقتصادية، والمشهد الجيوسياسي العالمي.
ومع ذلك، فإن الذهب لا يخلو من التحديات؛ إذ لا يدرّ تدفقات نقدية مباشرة مثل الأرباح أو الكوبونات، كما أن ارتفاع الإنتاج من المناجم قد يضغط على أسعاره نزولًا. ولهذا، فإن الاستثمار فيه يتطلب فهماً دقيقاً للأسواق واستخدامًا لأدوات التحليل المالي والفني، ويفضل أن يتم بإشراف مستشارين مرخّصين من الجهات الرقابية المختصة، وتجنب الانسياق وراء الإشاعات أو المضاربات العشوائية.
أما عن الارتفاعات القياسية الأخيرة، فهي مدفوعة بتنامي القلق من تباطؤ الاقتصاد الأميركي، وازدياد الضبابية السياسية، إلى جانب تسارع وتيرة شراء الذهب من قبل البنوك المركزية – لا سيما في الأسواق الناشئة، وسط تراجع الثقة بالأصول التقليدية مثل السندات الأميركية، والدولار، وحتى الأسهم الأميركية التي رغم تحقيقها مكاسب مؤخراً، ما تزال تحيط بها حالة من الحذر والتوجس نتيجة غياب الشفافية في بعض السياسات الحكومية حول مصير التعرفات الجمركية والقرارات التخبطية، مما يعزز من استمرار جاذبية الذهب كملاذ آمن ووسيلة لتنويع المخاطر الاستثمارية.
"الغد"