عمون - ( بترا ) - من سمير المرايات- مع كل صباح عابق برائحة الشيح والقيصوم تبدأ عصبة من نسوة جمعية ضانا والقادسية للأحجار الكريمة رحلة تنقيب وبحث على الأقدام ممزوجة بالمتعة والمعاناة معا .
وبين الشعاب والأودية الوردية في فينان وضانا وخالد تتلمس نسوة الجمعية المناسب من الحجارة الملونة الكريمة كي يطوعن صلابة الصخر وقسوته بين أيديهن بأشكال هندسية إلى قلائد وأساور تزين الأعناق والمعاصم بعد تلبيسه وتعشيقه على الذهب والفضة .
وتسير نساء ضانا والقادسية مسافات تصل احيانا إلى 25 كم على الأقدام تحت لهيب الشمس ولفح برودة ضانا القارصة لافتقارهن لمركبة مخصصة للاماكن الوعرة .. ليجمعن الأحجار الكريمة من أودية ضانا وفينان السحيقة في قفاف مخصصة .. ينشدن رفع الفقر والعوز عن أسرهن ... وبصرهن يمتد للأفق العميق شرقا حيث صحراء رم وجبالها التي تمنح ناظرها عزيمة وقوة .. ليكافأ وادي ضانا وجذوره الممتدة حتى فينان ووادي خالد حينذاك تلك النسوة لقاء مشقتهن وزيارتهن له .. بحجارة تزخر بالألوان الجذابة . في جمعية نساء ضانا والقادسية للأحجار الكريمة التعاونية بلواء بصيرا بالطفيلة أصرت نسوة على تسطير قصص نجاحهن على قطع الصخر المنحوتة بحبات العرق من خلال تشكيلها بأدوات ومعدات مخصصة للقص وتلبيس الحجر بالفضة وتعشيقه لتنطق الحجارة الصماء روعة وتنتج بشكل تجاري من خلال عرضها في المعارض المحلية والدولية كمعرض هانوفر في ألمانيا بالتعاون مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة .
تقول رئيسة الجمعية زهرة القطيشات ، إن قسوة الحجر وصلابته لم توقفهن عن الإنتاج والعطاء والسعي على تطوير مشروعهن الذي يركز على صقل الصخر و تقطيعه وتمويله إلى أحجار كريمة ليتشكل كالمجوهرات تتزين بها النساء حيث كانت الخطوة الأولى عام 1991 عندما انشأن الجمعية وحصلن على تمويل لشراء جهاز تلميع الأحجار وتقطيعها وبقي عملهن وربحهن محدوداً مقتصراً على صقل الحجر وبيعه لقلة الإمكانات المالية.
وتضيف لقد جاءت خطوات المشروع المتتالية عندما توجهن إلى مراكز تعزيز الإنتاجية " إرادة " ليحصلن على منحة لتمويل مشروعهن الخاص بتلبيس الأحجار بالفضة بكلفة وصلت إلى 26 ألف دينار ، إلى جانب إقامة إضافات تحديثية للمشروع الذي وفر فرص عمل لسيدات المنطقة .
وبينت إن مشروع تلبيس الحجارة الكريمة أسهم في تحسين مستوى العمل وتطوير الإنتاج لتقدم النساء جهدهن المتواصل كنوعا من التنمية النابعة من الذات للمجتمع المحلي في منطقة القادسية ، في الوقت الذي تم فيه صقل مهارات العاملات في مصنع الجمعية من خلال دورات متخصصة في صقل الحجارة استمرت لمدة شهرين وشارك فيها 21 سيدة .
ويطغى الإصرار والتصميم على قسوة الحجارة لتحقق نساء ضانا والقادسية عبر هذا المشروع الأهداف التدريبية بإتقان العمل على الآلات الحديثة في مدة وجيزة وتبدأ خطوة أخرى تضاف إلى انجازهن بإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود وتوفير دخل إضافي متواضعا للعاملات يبلغ 80 دينارا.
وتشير إلى صياغة وتلبيس الأحجار الكريمة بالذهب والفضة والتي كانت فريدة على مستوى المملكة ، مثلما استطعن عبر منحة قدمتها مؤسسة نهر الأردن بقيمة 10 ألاف دينار من صيانة مبنى الجمعية وشراء أجهزة حديثة للجلخ والتلميع والصقل وصب الفضة .
وتبين القطيشات إن مشروع الجمعية يوفر حاليا 17 فرصة عمل لسيدات المنطقة يعملن في صقل الأحجار الكريمة حيث تحصل الجمعية على 50 بالمئة من الأرباح فيما توزع 50
بالمئة الاخرى، على السيدات الأعضاء في الجمعية .
وتشير عضوات الجمعية والعاملات في المصنع إلى أهم العقبات التي تواجه عملهن الشاق وتؤرق بالهن باستمرار والمتمثلة بمشكلة التسويق لهذا المنتج النادر حيث بعد المسافة عن عمان والمعارض الدائمة هنالك بعيدة ... ويطالبن الجهات الرسمية والخاصة بدعم عمليات التسويق للأحجار المنتجة لديهن والتي تتكدس كل فترة ، ليتسنى لهن المضي في تحسين مستويات المعيشة للأسر الفقيرة في بلدة القادسية التي ترتفع عن سطح البحر أكثر من 1650 مترا حيث للفقر والبطالة هناك مساحة مظلمة تؤكدها الدراسات الاجتماعية .
كما يطالبن بتوفير حافلة لنقلهن إلى محافظات المملكة ليعرضن منتوجاتهم حيث يتكلفن مبالغ إضافية في حال ذهابهن إلى عمان والمحافظات الأخرى ليعرضن الأحجار الكريمة في المعارض والأسواق الخيرية ، الى جانب حاجتهن إلى سيارة بدفع رباعي ليتمكن من الوصول الى مناطق الأحجار دون معاناة .
ويشرن إلى استخدامهن أنواع متعددة من الصخور الموجودة في البيئة المحلية (كالجوسبار) و (الفلينت) و(الملاكايت) و(الاباتايت) و(الاباستر) و(الفيروز) والحجارة النارية كالبازلت والجرانيت وكلما زادت قساوة الحجر كلما كان أفضل للتصنيع كون الهش منها لا يمكن التحكم بشكله لأنه سهل التفتت.
وتتباين ألوان الحجارة مابين الأحمر والأخضر والأسود والأبيض والأزرق والأصفر ونستطيع تمييز قساوة الحجر بالخبرة الحسية والمهارة من خلال التدريب الذي تلقيناه .
وتبدأ عملية تشكيل قطع الأحجار الكريمة وفق القطيشات ، بعملية ( الجلخ) وتتم من خلال آلات خاصة بذلك وتتضمن عملية تشكيل الحجر بالشكل المرغوب به بأشكال مختلفة منها شكل القلب أو الخنفساء الأشكال الدائرية والبيضوية والمربعة والمستطيلة وتختلف أحجامها حسب طبيعة شكل الاستخدام ، فحجر الخاتم يكون اقل حجما من حجر الإسوارة أو السلسلة .
و تأتي عملية التلميع على مراحل متعددة وتقاس بمقاييس خاصة يعرفها من يتعامل مع هذه الحرفة وتتراوح بين ( 250 -650) وجه ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التلميع النهائي وبها يكون الحجر زجاجي الملمس وناعم لدرجة كبيرة ، ويمكن استخدام هذه الحجارة كما هي أو بعد وضعها في سلسلة ذهبية أو فضية أو على شكل خاتم أو أقراط أو عقد بعد عملية التلبيس بالفضة .
وتحتاج حسب عاملات المصنع عملية تلبيس الحجر أو تأطيره بالفضة إلى معالجة وتصنيع تأخذ اشكال الطيور والحيوانات في البيئة المحلية في ضانا والقادسية ، وهي عملية لا تقل دقة عن العمليات الإنتاجية السابقة فهي دقيقة للغاية وتتطلب مهارة متقدمة من حيث ملائمة الإطار الفضي للحجر وتثبيته بقوة كي لا يخرج منه أثناء الاستخدام المتكرر الطويل .
وتتراوح ثمن قطعة الحجر المصنع من 1,5- 5 دنانير ويرتبط السعر بنوعية الحجر ويقمن بتصنيع الاقراط والبروشات والاساور والعقود الفضية والمسابح ، حيث تمكن من بيع الحجارة الملبسة بالفضة وهذا العمل سيمكن السيدات والفتيات من المساهمة في تسديد نفقات الاسر وتوفير فرص عمل لهن ونشكر كافة الجهات التي دعمتنا في هذا المشروع . وتؤكد العاملات في مصنع الأحجار أن هذه الحرفة تتطلب الصبر والأناة والدقة المتناهية الى جانب التميز بالإبداع والخيال الواسع والمهارة الفنية الراقية ، فهي موهبة ، لأنه لامجال للخطأ فيه حيث أن التعامل مع الحجر رغم قساوته يتطلب رقة في التعامل لأن التعامل العشوائي مع الحجر يمكن أن يكسره وبالتالي ضياع جهد ووقت ثمينين يكون الشخص الذي عمل لعدة ساعات على قطعة حجرية قد وصل إلى مرحلة الخسارة .