facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذكاء الاصطناعي يُعزّز الخبرة… ويُقصي المبتدئين


د. رائد عودة
05-05-2025 05:33 PM

يغيّر الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل شات جي بي تي) طبيعة العمل، لكن ليس بالضرورة بالطريقة التي توقعها الكثيرون. فبدلاً من أن يقلص الفجوة بين المنضمين حديثاً لسوق العمل والمحترفين، أو يساعد حديثي التخرج على الاندماج بسرعة في سوق العمل، يبدو أنه يعمق الهوة بين من يملك الخبرة ومن لا يزال في بداية مسيرته، في مفارقة رقمية جديدة تُظهر أن التقنية التي وُعدنا بها كأداة للمساواة، باتت أداة لتوسيع الفجوات.

فالموظفون ذوو الخبرة باتوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي كأداة قوية تعزز إنتاجيتهم وجودة أعمالهم. وهؤلاء يمتلكون معرفة واضحة بما يجب أن يطلبوه من الذكاء الاصطناعي، ولديهم القدرة على تقييم مخرجاته بسرعة ودقة. وبفضل سنوات من الممارسة، يعرفون مثلاً متى يجب تعديل نص ما، ومتى يمكن رفض المخرجات كليًا. إنهم يستطيعون توجيه الذكاء الاصطناعي بطريقة استراتيجية تعكس خبرتهم المتراكمة، مما يضاعف من تأثيرهم ويمنحهم تفوقًا يصعب مجاراته. ونتيجة لذلك، تحول الذكاء الاصطناعي إلى رافعة كبيرة لذوي الخبرة، تختصر مهاماً كانت تستغرق أياماً وأسابيع، وتقلّصها إلى ساعات أو حتى دقائق معدودة.

أما المبتدئون والموظفون الجدد فهم يواجهون واقعاً مختلفاً. ففي الماضي، كانت الوظائف الأولية بمثابة ورش عمل مستمرة تساعدهم على تطوير مهاراتهم الأساسية من خلال الممارسة والتجربة. كانوا يرتكبون الأخطاء، ويتعلمون منها، ويبنون قدراتهم تدريجياً قبل الانتقال إلى مهام أكثر تعقيداً. فعلى سبيل المثال، كانت بعض المهام التقليدية، مثل إعداد التقارير أو تلخيص الاجتماعات، بمثابة فرص ذهبية لفهم السياق، لا مجرد تنفيذ ميكانيكي.

أما اليوم، فالذكاء الاصطناعي يُقصي إلى حد كبير هذه المرحلة التأسيسية. وأصبحت المهام الأساسية مثل جمع المعلومات، أو إعداد التقارير، أو تلخيص البيانات، مؤتمتة بشكل كبير، ما يحرم الموظفين الجدد من فرص التعلم الحقيقي عبر الاحتكاك المباشر مع التحديات اليومية، ويمنعهم من المساحة التي تُصقل فيها الخبرات، وتُبنى فيها الثقة والحدس المهني. فالذكاء الاصطناعي قد ينجز المهمة، لكنه لا يشرح الخلفيات ولا يُنمّي الفهم السياقي، وهو ما يشكّل جوهر التطور المهني.

وصحيح أن الذكاء الاصطناعي يقدم نتائج تبدو دقيقة ومنسقة بسرعة كبيرة، لكن هناك فرقاً كبيراً بين إنتاج محتوى يبدو مقنعاً وبين فهمه بشكل حقيقي. والموظفون المبتدئون في الغالب يعجزون عن كشف الأخطاء الدقيقة أو الثغرات في مخرجات الذكاء الاصطناعي التي يحصلون عليها. وهذه القدرة، أو بشكل أدق الفطنة المهنية، لا تُكتسب إلا من خلال الممارسة المتواصلة واكتشاف الأخطاء وتصحيحها. وهكذا يتشكل نمط مقلق: اعتماد مفرط على أدوات ذكية دون القدرة على تقييم نتائجها بموضوعية.

ومع استمرار هذا الوضع، يبرز سؤال مهم: إذا كان قادة اليوم يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لتسريع تقدمهم، فمن سيملك الخبرة والعمق المهني ليقود في المستقبل؟ فالجيل الجديد قد يكون ماهراً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنه سيفتقر إلى التجربة العملية الحقيقية والقدرة على اتخاذ قرارات مدروسة في الظروف المعقدة. وتتفاقم المشكلة عندما يتم الاستغناء عن بعض المراحل التطويرية الأساسية بحجة زيادة الكفاءة، مما يخلق "ثقوباً معرفية"، وهي فجوات في الخبرة العملية لا يسدها أي تدريب لاحق، في المسيرة المهنية للشباب.

وللأسف، فهذه المشكلة ليست سهلة الحل، وتتطلب تدخلات حقيقية من الشركات والجامعات والحكومات. ومن المهم خلق بيئات تعليمية ومهنية تُمكّن الموظفين الجدد من تجربة العمل بشكل حقيقي، مع استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تدعم عملية التعلم، دون أن تحل محلها. وهنا يجب على الشركات أن تطوّر برامج تدريب تعيد تعريف دور المبتدئين بشكل مبتكر، وتمنحهم مسؤوليات حقيقية، ولو بمخاطر مدروسة، ليبنوا ثقتهم ومهاراتهم وليعززوا قدرتهم على التفكير النقدي وحل المشكلات الواقعية.
وختاما، فمن دون اتخاذ خطوات واضحة، قد نواجه في المستقبل جيلاً كاملاً يتمتع بمعرفة سطحية من الناحية العملية، رغم مهاراته التقنية العالية. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجهنا اليوم هو كيفية الموازنة بين الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي الهائلة، وبين ضمان اكتساب المهارات العميقة التي لا تزال ضرورية للابتكار والقيادة الحقيقية في المستقبل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :