دراسة للباحث غرايبة حول تأثير الإنترنت على الشأن الديني
06-05-2025 10:49 PM
عمون - صدرت للباحث إبراهيم غرايبة دراسة بعنوان الدين والإنترنت: التأثير المتوقع للإنترنت على الشأن الديني في العالم الإسلامي في مجلة ابن رشد للدراسات
وتسعى الدراسة إلى تقدير تأثير التحولات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة للرقمنة على سياسات إدارة وتنظيم الشأن الديني في العالم الإسلامي؛ أخذا بالاعتبار تأثير الرقمنة وتداعياتها على الدول والمجتمعات والأسواق والأفراد والأفكار والثقافة، وتقدير الاتجاهات الدينية المتوقعة أو الممكنة الحدوث في ظل الثورة الرقمية. فمن الطبيعي أن تكون الفرص والتحديات التي تعيشها الحالة الدينية هي نفسها فرص وتحديات الدول والمجتمعات، وأن إدارة وتنظيم السياسات الدينية الجديدة تعتمد على مستوى وطبيعة التكيف مع المرحلة الاقتصادية والاجتماعية الجديدة ومتطلباتها، وفي ذلك فإن التصور المقترح إعادة صياغة العقد الاجتماعي والعلاقة بين السلطات والمجتمعات والمواطنين والأسواق والموارد والأعمال على النحو الذي يأخذ بالاعتبار الأفكار والقيم السياسية الجديدة المتشكلة في عالم ما بعد الصناعة أو ما يسمى الثورة الرقمية أو الشبكية.
إن الدين يشكل مكونا رئيسيا في بناء وتنظيم الأمم وهويتها، وكانت الممالك التاريخية والتشريعات في تأسيسها وتطورها مثل بابل العراقية ومصر الفرعونية منبثقة عن الدين. وكما يلاحظ فوستل دي كالانج في كتابه الشهير "المدينة العتيقة" كان الدين أساس الحياة في كل مجالاتها وشؤونها الصغيرة والكبيرة. وقد ظل الدين في العصور الحديثة مكونا أساسيا في الأمم والحضارات.
تركز دراسة غرايبة على المعطيات الجديدة التي تؤثر في التفكير للسياسات الدينية والناشئة عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للرقمنة (الشبكية والعولمة)، والاتجاهات الفكرية الجديدة في إعادة فهم دور الدين في المجال العام.
وعلى سبيل المثال يمكن الملاحظة ببداهة عمليات تمثل الأديان عبر الإنترنت والتغطية الواسعة للقضايا الدينية في جميع الأديان؛ المعتقدات والتقاليد، والتسامح والتعصب والإلحاد والمناظرات اللاهوتية والنصائح والإرشادات الدينية، وتوفير تجارب دينية، مثل الصلاة والتأمل والحج وترجمة المحتوى الديني إلى لغات عدة. وخدمات توفير النصوص الدينية المقدسة والكتب والمعارف الدينية.
في عالم المسيحية يجري إنشاء مجتمعات مسيحية عبر الانترنت، وفي أحيان تكون هذه المجتمعات بديلا للمجتمعات التقليدية، ومن الشائع أن يكون للكنائس حتى التي لا يتجاوز عدد أعضائها بضع مئات موقع على شبكة الانترنت للصلاة والتواصل مع الأعضاء. وأداء الصلاة والتدريس والموسيقى الدينية، وقد اعترف ببعض الكنائس الالكترونية كنيسية رسمية. تشير مصطلحات كنيسة الإنترنت، والكنيسة عبر الإنترنت، والكنيسة الإلكترونية، والكنيسة الرقمية إلى مجموعة واسعة من الطرق التي يمكن للجماعات الدينية المسيحية استخدام الإنترنت لتسهيل أنشطتها الدينية، وخاصة خدمات الصلاة والمناقشة والوعظ والعبادة.
وفي الهندوسية هناك العديد من المواقع الإلكترونية التي تهدف إلى تغطية جميع التقاليد الدينية، بما في ذلك على سبيل المثال الكون الهندوسي، الذي يديره مجلس الدراسات الهندوسية. وهناك موقع مخصص لحج كومبه ميلا، مما يتيح لمستخدمي الإنترنت الفرصة للانضمام إلى مئات الآلاف من الحجاج الذين يتجمعون للاستحمام في نهر الجانج.
في عالم الإسلام تؤدي المواقع الالكترونية عددًا من الأدوار، مثل تقديم النصائح المتعلقة بالعقيدة الدينية، وتنزيل الصلوات اليومية، وأخذ الشهادة عبر الإنترنت. والإفتاء والإجابة على الأسئلة عبر الإنترنت، وتخزين هذه الإجابات والفتاوى في قواعد البيانات على الشبكة.
وفي اليهودية تغطي العديد من المواقع والمدونات الحياة اليهودية، وتناقش بعض المواقع وجهات نظر دينية وتقدم محتوى ديني وثقافي وتتجادل التيارات والاتجاهات الدينية.
تجد الدراسة أن من دواعي تطوير السياسة الدينية تطوّر الأفكار والمعارف المتصلة بالدين وعلاقته بالمجال العام، ونشوء حاجة لأفكار وسياسات دينية جديدة مستمدة من العلوم والتجارب الإنسانية تجعل الدين في سياق الإصلاح والتقدم دون تعارض أو تناقض، وضرورة مراجعة السياسات الدينية التي تشكلت في ظل الدولة المركزية، فقد غيرت الشبكية والعولمة كثيرا في طبيعة ودور الدولة وسياساتها، وصارت السياسة الدينية في حاجة لأن تأخذ بالاعتبار أن الاعتدال الديني لا ينشئه فقط تفسير معتدل للنصوص الدينية. لكن تنشئه استجابة صحيحة لمقتضيات وتحديات وفرص الرقمنة والشبكية، ويشمل ذلك بطبيعة الحال تقدم اقتصادي اجتماعي، وفهما متقدما للدين ينشئه تقدم علمي وتعليمي شامل.
صار مهما التفكير في السياسات الدينية على النحو الذي يقلل من الغلو والتطرف الديني، ويساعد في تعزيز الاعتدال والتسامح والتعايش، وبخاصة أن العولمة المصاحبة للشبكية صارت تعمل باتجاهين؛ أحدهما عولمة أصولية والآخر الاعتماد المتبادل والمشاركة العالمية، ويبدو واضحا أن العولمة الأصولية تتحدى المشاركة العالمية، وهي ظاهرة تؤكدها مجريات السياسة العالمية، إذ تصعد الأحزاب والجماعات اليمينية والأصولية المتطرفة، ويصحبها موجة عداء للمهاجرين والمسلمين في أنحاء واسعة في العالم.
تقترح الدراسة منطلقات للتفكير في السياسة الدينية قائمة على إعادة فهم السياسة الدينية باعتبارها مستمدة من المصالح والأفكار والاتجاهات العامة ثم بناء توقعات تحاول السياسة العامة أن توفرها في الخطاب الديني، بمعنى أن الخطاب الديني لا ينشئ توقعات السياسة الدينية لكنها توقعات محكومة بمحددات اقتصادية اجتماعية.
وتوصي بإطلاق الدراسات الدينية من مدخلات علمية وأن تسعى الجامعات والمؤسسات السياسية والبحثية بتشجيع ودعم دراسات الدين في سياق العلوم الاجتماعية والإنسانية.
يؤكد غرايبة على أن الدراسة ليست ذات محتوى ديني وإن كانت عن الدين، لكنها يمكن أن تساعد العاملين والباحثين في التنظيم الاجتماعي والخدمة الاجتماعية والسياسات الاجتماعية لتوظيف الموارد الدينية والثقافية من أجل تفعيل المجتمعات وترشيد السياسات العامة باتجاه مصالح الدول والمجتمعات والأفراد.
يتساءل غرايبة ما التحولات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للشبكية والثورة الصناعية الرابعة وما تأثيراتها على السياسات الدينية؟ ما تأثير الرقمنة على الحالة الدينية؟ وما تأثير هذه التقديرات على السياسات العامة والدينية؟ كيف تخدم الحالة الدينية سياسات الإصلاح والتقدم أو لا تتعارض معها؟ كيف نحدد نقطة التوازن التي تقف فيها السياسة العامة، وتكون في المسافة المناسبة تجاه الدين بحيث لا تتناقض السياسة مع الدين ولا تتضرر المصالح العامة للدولة والمجتمع؟ ما التحديات الناشئة عن السياسات والحالة الدينية القائمة وما المراجعات المطلوبة؟.
وتعاين الدراسة تأثير الرقمنة في الاقتصاد والسياسة والأفكار والأعمال والفلسفات والقيم، وتعتمد على النظرية الاجتماعية الوظيفية والاختيار العقلاني لتقدير الاتجاهات والأفكار الدينية المتشكلة أو المتوقعة، باعتبار أن الأمم (الجماعات والمؤسسات والأسواق والأفراد) تسعى دائما في توظيف الدين والثقافة لأجل الأهداف والمصالح المتشكلة أو المرغوب فيها، وينشأ تبعا لذلك خطاب ديني (معالجة منهجية ومؤسسية للنصوص والأفكار الدينية) .
وقد تناولت التحولات المصاحبة للحوسبة والشبكية مجموعة كبيرة من الدراسات والكتب، وتمثل المقاربة في هذه الدراسة استيعابا لعدد منها، مثل الموجة الثالثة، تأليف ألفن توفلر، تحولات السلطة والموارد، تأليف ألفن توفلر، والشبكية، تأليف مانويل كاستلز، والمجتمع العالمي، تأليف اولريخ بك، وعصر الوصول، تأليف جيرمي ريفكن، والمجتمع الشبكي، تأليف دارن بارني، وسبق تداول فكرة تغير دور الدولة في دراسات وكتب كثيرة، مثل أفول السيادة: كيف تحول ثورة المعلومات عالمنا، تأليف ب. روستون، وكتاب الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر، تأليف بيتر تايلر، وكولن فلنت، ويأتي أيضا في هذا السياق تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم لعام 2016 وتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2015.
يعكس المفهوم التشكلات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة للتكنولوجيا الجديدة المرتبطة بصناعات واستخدام الحاسوب والاتصالات، والموبايل، والبرمجة المتقدمة والإدراكية، والروبوت، والتكنولوجيا الحيوية، وانترنت الأشياء، والتفاعل المتقدم بين الإنسان والآلة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتحليل البيانات الضخمة والخوارزميات المتقدمة، والاستشعار الذكي، وتحديد المواقع، والحوسبة السحابية.
لقد أنشأت الشبكية أو الثورة الصناعية الرابعة حالة انتقالية وقلقة لم تتضح بعد، كما أنها أصابت الحالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية السائدة بتحولات كبرى. لكن لم تتكرس بعد الأفكار والتصورات والفلسفات التي يجب أن تصاحب المرحلة الجديدة وتنظر لها، ولذلك يغلب على التفكير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي اليوم مفاهيم عدم اليقين و"الما بعدية" ما بعد الصناعة، ما بعد الحداثة، ما بعد الطبقة الوسطى، أو "الشك والنفي" مدارس بلا معلمين، مصانع بلا عاملين، طائرات بلا طيار، مكاتب بلا أوراق، معارك بلا جيوش، أو مصطلحات "من - إلى" من الهرمية إلى الشبكية، من الحتمية إلى الانتقاء، من المجتمع إلى الفرد.
يعتبر عالم الاجتماع أمانويل كاستلز من الرواد الذين أشاروا إلى "الشبكية" باعتبارها مرحلة اجتماعية واقتصادية مختلفة، وقد حظيت كتبه مثل "مجتمع المعلوماتية" و"قدرة العلاقات" اهتماما علميا كبيرا، ومنح عليها جائزة هولبرغ لعام 2012 ويرى كاستلز أن مجتمع المعلومات المعاصر يتميز بظهور "الشبكات" و"اقتصاد الشبكات" والنظام الاقتصادي الرأسمالي السائد اليوم إنما يقوم على ثورة الاتصالات العالمية، ولم يعد قائما كما كان يفكر كارل ماركس على الطبقة العاملة أو على إنتاج السلع المادية، بل إنه يقوم على التقدم في شبكات الاتصال والحوسبة التي أصبحت هي الأساس لتنظيم عملية الإنتاج. وفي كتابه "سلطة الاتصال" يحلل قدرة اجهزة الاعلام في السياسة والثقافة والاجتماع ودور هذه الاجهزة في تهييج قوة الجماهير بواسطة الحركات الاجتماعية.
وكما أثرت الرقمنة والشبكية على نحو جذري في المجالات الاقتصادية والاجتماعية فإن آثارها بالتأكيد تمتد إلى علاقة الدين بالدولة والمجتمعات والأفراد ودور الدين في المجال العام. يلاحظ غراي بونت أن الإنترنت ينطوي ضمن عناصره وصوره المختلفة وفيما بينها على قدرة تغييرية للأديان، وذلك فيما يتعلق بأنشطة التمثيل ووسائل التواصل التي يمارسها أنصار الأديان، وكذلك تطبيقها كأداة تبشيرية. وكما يقول: "لقد أصبحت الانترنت مصدرا أساسيا للمعرفة حول الأديان وأنصارها وبقدر كون التعبير الديني على الانترنت عاملا للتغيير فهو يولد أيضا تماثلا وتقاليد ولاسيما في مجالات صغرى محددة من الاهتمامات الدينية، مدفوعة بمفاهيم العضوية. وتنشئ الانترنت فضاء دينيا متنوعا وشاملا وتنافسيا، حتى أصبح الوجود الافتراضي أحد المقتضيات المعيارية لكثير من المعتقدات الدينية. وفي بعض السياقات المجتمعية الدينية تقدم شبكة الانترنت فرصة لمحافظة الأعضاء على معتقداتهم وهوياتهم الدينية وتعزيزها عبر التفاعل على الانترنت. بل إن تأثير الانترنت امتد كما يلاحظ بونت إلى تأسيس أماكن افتراضية للعبادة.
لقد ساعدت "الرقمنة" على إدراك معنى الوجود الأصلي أو كما هو مستقلا عن المكان والزمان؛ ليس الزمان بمعنى حركة الأرض حول الشمس وحركتها حول نفسها، ولكن معناه الأصلي (الحركة أو الفعل أو الوجود أو حتى العدم) الحال ان علاقتنا بالمكان وما سميناه الزمان هي علاقة غير حقيقية أو هي غير موجودة اصلا. وفي ذلك فإن المعتقدات والأفعال ويشمل ذلك العبادات والطقوس والرموز يعاد تعريفها ممارستها نسبة إلى الوجود وليس ما نحسبه المكان او الزمان. الحال ان المكان والزمان والوجود متصلة بالكون والضوء بما هو فوتونات ونعرفه أو نستدل عليه ونتحرك فيه بالنور والظلام أو اون لاين واوف لاين او واحد وصفر. ما نحن سوى آحاد واصفار. لا مكان سوى الكون وما وجودنا وفهمنا للزمن سوى حركتنا في الكون وحركة الكون فينا وفي ذاته. لامعني للحياة والمعنى نفسه سوى الكون الذي لا معنى فيه ولا وجود للأرض والانسان سوى الكون نفسه. ليس لدينا سوى أن نعيش الحياة بشجاعة.
سوف يظل الدين مكونا أساسيا بل وتزيد أهميته في التأثير والتفكير لدى الأفراد والمجتمعات، لكنه سوف يعمل ويؤثر من غير المؤسسات والجماعات الدينية التقليدية والسائدة اليوم، ما يجعل السياسات الدينية بالغة الضرورة والأهمية لاعتبارات عدة: استيعاب الحالة الدينية وتغيراتها، والقدرة على دمجها وتكاملها مع السياسات والمصالح العامة للدولة وأهدافها وقيمها، كما يتوقع أن تنشأ مخاطر وأدوات جديدة للتطرف والكراهية مختلفة غالبا عن الجماعات والمخاطر السابقة؛ مثل عمليات الكراهية والعنف الفردية أو التي تنفذها مجموعات صغيرة غير معروفة من قبل، وكذلك صعود الأفكار والهويات الدينية التي كانت مهمشة أو منسحبة مصحوبة بصراع ثقافي واجتماعي.
ويمكن أن تكتسب السياسات الدينية أهمية قصوى في بناء تماسك اجتماعي واخلاقي ومواجهة الانقسام وتوجيه الجدل العام وبخاصة في ظل التحديات الطارئة والخلافات العميقة، كما أن الممارسات الدينية يمكن أن تكون منسجمة مع الاتجاهات والاولويات العقلانية للمجتمع فتزيدها فاعلية.
إن الواقع المتشكل ينشئ فكرا دينيا. وبطبيعة الحال فإن تكنولوجيا المعنى تنتج المعنى، هذه حقيقة تاريخية، تعمل ببطء (ربما) يجعل الناس لا يلاحظون كيف تنشأ الأفكار وكيف يعاد فهم وتفسير الدين، وكيف تتشكل في صحبة التكنولوجيا الثقافة والعادات والتقاليد والقيم والأعراف، .. على سبيل فإن تكنولوجيا الزراعة أنشأت الرق والعبودية، ولم يكن الرق واستعباد الناس معروفا قبل الزراعة، وتكنولوجيا الصناعة أوقفت الرقّ، فالآلات الزراعية ببساطة جعلت العمل ممكنا بدون الاستعانة بعدد كبير من الناس. وفي ظل الزراعة نشأت أحكام وفتاوى وتشريعات الرقّ، وفي ظل الصناعة نشأت قيم الحرية ورفض الرقّ!.
هكذا أيضا فإن تكنولوجيا الحوسبة والاتصالات تنشئ (سوف تنشئ) قيما واتجاهات دينية وثقافية جديدة ومختلفة، ففي البداهة والأنسنة في تصميم وتشغيل البرامج الحاسوبية والحواسيب والموبايلات؛ أصبح ممكنا لجميع الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية الاجتماعية استخدام الحواسيب والموبايلات الذكية والمتقدمة والمعقدة، لم تعد هذه الآلات الذكية والمتفوقة في حاجة إلى خبراء وتقنيين لأجل استخدامها، هذه قضية بالغة الأهمية في تكنولوجيا المعنى تحتاج (ربما) إلى وقفات عدة مستقلة، ذلك أنه أجهزة وبرامج على قدر من الذكاء تجعل الإنسان العادي قادرا على التعامل معها من غير "كهنة التكنولوجيا" ثم أصبح ممكنا التعامل مع الدين من غير "كهنة" والتعلم من غير مدارس ومعلمين، والعمل من غير مؤسسات، والتسوق والبيع والشراء من غير أسواق، .. يا للهول! إنها صدمة عميقة وتحولات كبرى يمارسها الناس اليوم ببداهة من غير أن يدركوا عمقها وضخامتها!.
"البداهة" القائمة على تطوير الأجهزة والبرامج، وتبسيط عملها في الوقت نفسه لتكون أكثر ذكاء وأقل تعقيداً، تجيء محصلة لمعرفة الإنسان بنفسه، ثم تحويل هذه المعرفة إلى تقانة مطبقة؛ أنشأت بطبيعة الحال ثقافة عامة متداولة بمقدار تداول الحواسيب والموبايلات. لكن الأكثر أهمية وخطورة في ما يحدث (سوف يحدث) هو عندما تقدم المنظومات المعرفية والدينية والثقافية والعلمية في تطبيقات "بدهية"، تمكّن المستخدم من استيعابها وتطبيقها بالقدرة نفسها على استخدام الموبايل والحواسيب والشبكة. ماذا يحدث عندما يقدم الدين بـ "بداهة" علمية وتقنية، تجعل فهمه واستخدامه وتطبيقه متاحاً لكل أتباعه والباحثين في شأنه؟.
إن المعنى الذي تنتجه التقنية سيكون مختلفا بالتأكيد عنه قبل التدخل التقني. هذه الحقيقة برغم بساطتها صادمة، وعادة ما ينكرها كثير من الناس، بل وتؤكد الجماعات والمؤسسات الدينية دائما أنه لا علاقة بين الفكرة (دينية أو ثقافية أو اجتماعية أو سياسية) وبين التكنولوجيا، لكن لماذا لم تنشأ الديمقراطية إلا في ظل الثورة الصناعية؟ ولماذا لم يحرم الرق إلا بعد ظهور الآلات الزراعية؟ .