سلطة الصحافة ام تسلط المنصات الإلكترونية
فيصل تايه
08-05-2025 09:09 AM
نعيش في زمن تسارعت فيه وتيرة الحياة، وأصبحت المسافات مجرد أرقام، فوجدنا أنفسنا غارقين في بحر من الكلمات ، كلمات تحولت من وسيلة للتواصل إلى سلاح فتاك يدمر العلاقات ويشعل الحروب ، فالتساؤل المثار حول قوة المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل وتأثيرها ، فالواضح ان المواطن لم يعد يعنيه أمر "التأثير" بقدر ما يعنيه أمر الحصول على المعلومة أيًا كان مصدرها ، إلا أن السؤال الذي يظل مطروحًا : هل نجحت المنصات الإلكترونية في انتزاع سلطة الصحافة التقليدية؟
ففيما هو فائض من الحديث والقول ، فان مواقع التواصل الاجتماعي التي تسعى الى الحصول الى اكبر عدد ممكن من المشاهدات ، كنا نتمنى يوماً ان تكون واحة خضراء ، لكنها تحولت إلى ساحة حرب لا تهدأ ولا تستكين ، حيث تتطاير السهام المسمومة من الكلمات لتصيب القلوب كل ذلك رغبة في الانتصار للشهره الواهية رغم معرفتنا بأننا في زاوية الخطأ ومع ذلك نرغب في الانتصار لذواتنا.
اننا اليوم ونحن نعيش في زحمة الاشعارات والاعجابات والمشاركات والمنشورات الفارغة فقدنا قيماً راسخة كنا نعتز بها ، فقد تحول الاختلاف في الرأي من باب للتفاهم إلى سبب للصراع والعداء والانتقام ، فأصبحنا نرى كل من يخالفنا في الرأي عدوا يجب التنمر عليه ومحاربته ، ونتيجة لذلك غرقنا في بحر من الكراهية والانقسام ، وبتنا نعاني من شرخ عميق ، اذ تحولت الكلمات الى سهام مسمومة نطعن بها القلوب وننتصر بها على كل من خالفنا في الرأي ، بدلا من أن تكون جسور لبناء التفاهم .
لقد تحولنا إلى قراصنة رقميين ، نسرق لحظات الآخرين ، وننشر الأكاذيب والشائعات ، ونسينا أن للكلمة وزنا وأنها قد تترك جرحاً لا يمكن له أن يندمل ،وأن كل كلمة بمثابة طلقة بارود قد تودي بحياة شخص دون سبب يذكر غير أنه أبدا راية ولم يكن ليوافق هوانا.
بتنا نعيش في زمان يتبنى عدد كبير من "أصحاب الشهرة " في الكثير من الأحيان ودون "رقيب او حسيب" آراء ذات صدى شعبي بلغة وضيعة ، ليس بدافع الانتصار لفئة بعينها ، ولا انصهاراً في دعم القضايا الوطنية ، بل من أجل حصد متابعات أكثر وتحقيق (تارجت) أو تريند- إن لم تكن خلف ذلك مصالح شخصية أو مآرب أخرى.
عدد كبير من المرتزقة الجدد هم أبطال في أعين العوام ، ورموز وصفوة ونخبة عند أهل الحاجة للتلميع ، بينما في الحقيقة هم أكثر الناس فراغاً ، وتجدهم اكثرهم ايضا تعالياً وجشعاً وغرورًا ، كما وأن عدد آخر ينشط في ابتزاز المسؤولين والتطاول عليهم ونشر ما يسئ لهم بعيدا عن تقصي الحقيقة بذريعة المساءلة ، بل وتجد آخر يجيد التسول تحت حجة المناصرة.
يحب ان نعترف ان ذلك كله افقد "الصحافة" دورها في المجتمع لصالح السلطات الجديدة المتمثلة في المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الحديث؟ ففقدنا بريق وهج الصحافة والإعلام التقليديين ، لكننا وبعيداً عن سلوك النقد المنهجي المهني الأخلاقي المطلوب ، يذهب متقمصي الدور للتحريض والتعرض والإساءة والقدح بناء على مؤشرات أو قرائن أو تلاسن عارض .
بقي ان اقول .. اننا تحت فضاء بلا قيود وقيم ، وسلوك تغيب عنه الحوكمة الرقابية ، ويغلب عليه في المجمل الأمر قاعدة (من أمن العقوبة أساء الأدب) ، بينما يمتهن تجار الكلمة "حرفة التضليل". فيتطرقون لقصايا الرأي العام ولحديث الساعة من أجل استعطاف الجمهور وتأليبه على بعضه ، وفي القارعة ألف نافخ كير ، ومُنصف على حافة الطريق يعافر من أجل إيصال صوت الحقيقة دون تزييف .
وأخيرا .. دعونا "ندعو" الى تشديد الرقابه على كل من يتقمص دوراً ليس "دورة" وخطاباً ليس "خطابه" وموقعاً ليس "موقعه" ، والدعوة الى عودة دور "الصحافة" الحرة التي يحملها أنقياء يعملون من أجل توجيه الرأي العام نحو قضاياه العادلة، ويحشد لتصويب الاختلالات والاسهام في خلق مجتمع سوي واعي.
والله ولي التوفيق