صغائر الاجندات وتوافه المواجهات
فيصل تايه
13-05-2025 10:53 AM
في زمن تتقاطع فيه الأزمات وتتداخل فيه مشاريع الهيمنة الإقليمية والدولية لم يعد من المقبول النظر إلى ما يُطرح في الفضاء العام باعتباره اجتهادات عابرة أو تعبيرات تلقائية عن الرأي ، فثمة هندسة ممنهجة تعمل على اعادة تشكيل الوعي الجمعي وتدفع به نحو مسارات عبثية تصب في نهاية المطاف في غير مصلحة الوطن بل وتهدد من تماسكه المجتمعي وبوصلته الوطنية.
إشغال الرأي العام في هذا التوقيت وتحويله نحو قضايا مفتعلة بتأجيج الأزمات وترويج الشائعات ومهاجمة بعضنا البعض لا يبدو بريئاً أو عابراً ، فالمسألة تتجاوز مجرد تعبير عن راي أو وجهة نظر إلى كونها أدوات تشتيت للانتباه ووسائل ممنهجة عن جوهر المعضلة وهي معركة الحفاظ على الدولة والسيادة ومواصلة بناء مشروع جامع يحفظ للبلد مكانته وهويته.
اننا وحين نتابع الكثير من وسائل الاعلام بمختلف اشكالها ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي نجد العجب العجاب من البعض المازوم الذي يسعى الى شحن النفوس بالكراهية المناطقية وحملات التشكيك والتخوين المجاني ، فمن المستفيد من رفع سقف توقعات الناس بعبارات جوفاء وغياب أي نقاشات جادة تشكل ضغطاً على النفوس وتهدد الامن المجتمعي وتمس المواطنة الحقة ، وتربك الراي العام بتصنيفات مفتعلة وتفتح المغاليق المغلقة .
هل هذه حالة من الغباء السياسي وقصر النظر؟ أم أننا أمام مشروع اختراق ممنهج للوعي الوطني يستهدف ضرب أي إمكانية للنهوض بالمستقبل والركون الدائم إلى العبث اليومي بمصير شعب عاهد الله والوطن على الحفاظ على وحدته الوطنية وأمنه واستقراره ، ام ينتظر البعض اجندات خارحية ضيقة لم ولن تأتي بفعل صمود وتلاحم ابناء الشعب الواحد ؟
إننا أمام معركة وعي لا تقل خطورة عن معركة البندقية بل إنها تسعى لتمهّد للفوضى وتؤطرها ، فكلما ضاع الهدف الوطني خلف الضجيج تآكلت السردية وتعددت المشاريع وتشظى الولاء وتاهت البوصلة ، والمفارقة المرّة أن البعض يساهم في هذا العبث بحسن نية كما يدعي ، بينما آخرون يفعلون ذلك ايضاً عن سبق إصرار وترصد وتنفيذ لأجندات لا علاقة لها بالوطن والدولة.
ليست المسألة فيمن نحب أو من نكره، أو مع من نتحالف أو نتخاصم بل في جوهر الفكرة الوطنية التي إن لم نحمها من التلوث والسطو والتشويه فستخسر انفسنا شرعيتها ، وسنسهم في ضياع الوطن والشروع بمستقبل محكوم بالفوضى.
المطلوب اليوم هو وعي يقظ يميز بين المعركة البناء الحقيقية وصناعة الأعداء الوهميين وإعلام وطني يقف ضد من يتورط في نقل الفتن أو تسويقها أو الترويج لمفاهيم التفكيك ، فكل صوت يشتت الجهود ويصرف عن امالنا الوطنية الكبرى هو ثغرة كارثية في جدار الحلم الاردني وسهم مسموم في خاصرة كل مشروع يسعى للنهوض ، فعلينا ان نستمر بالقضاء على الاجسام الغريبة ونحافظ على تماسكنا وتعاضدنا ومكتسباتنا ودولتنا ومؤسساتها .
هي فرصة من دولتنا الرحيمة أمام هؤلاء المغبونين والمخدوعين بخطابات جوفاء للعودة الى رشدهم ، فان لم يدركوها ويستفيدون من أخطائهم ويصححون مسارهم ، ويعودون عن مخططاتهم ، فسيبكون غدًا لا على مستقبلهم الذي سيضيع أمام أعينهم بل على فرص كانت بين أيديهم فأضاعوها بتوافه المواجهات وصغائر الأجندات.
والله ولي التوفيق..