التعيينات الجائرة والأمن المجتمعي
د.امجد أبو جري آل خطاب
13-05-2025 05:42 PM
لا يتحقق الأمن المجتمعي عبر التعيينات الجائرة التي تقوم على المحسوبية والواسطة، فقد ساهمت هذه الممارسات في استنزاف موازنة الدولة، وأدت إلى حالة من الترهل الإداري امتدت اثارها لسنوات. ففي بعض الوزارات والمؤسسات، تجاوزت نسبة المعينين على الفئة الثالثة ٧٠٪، نتيجة لسياسات سابقة منحت الوزراء قبل عام ٢٠١٣ صلاحية التعيين المباشر ضمن هذه الفئة. وقد شكلت هذه الصلاحية باباً واسعاً للفساد الإداري، إلى أن جاءت حكومة الدكتور عبد الله النسور، ووضعت حداً لهذا النهج، في محاولة لتصويب المسار.
ولم تقتصر اثار تلك التعيينات على الجانب المالي أو الإداري فحسب، بل أثرت بشكل مباشر على كفاءة الجهاز الحكومي وأداء الخدمات العامة، إذ تم إقصاء الكفاءات لحساب الولاءات، مما عطل عجلة التطوير المؤسسي وأفقد الإدارات القدرة على التجديد والابتكار.
لقد خلفت تلك السياسات شعوراً عميقاً بالظلم والإقصاء لدى شريحة واسعة من المتعطلين عن العمل، ممن حرموا من فرصهم لصالح من لا يستحق. ومع تكرار هذه التجاوزات، بدأت الثقة بالمؤسسات تتاكل، وأصبح الإحباط من العدالة العامة ملموساً في الشارع.
ولا يمكن فصل هذه الأزمة عن تداعياتها الاجتماعية، حيث تفاقم الشعور بالتهميش، واتسعت الفجوة بين المواطن والدولة، ما يهدد الاستقرار على المدى البعيد إذا لم تتخذ خطوات حاسمة لمعالجة جذور الخلل.
إن الأمن المجتمعي الحقيقي لا يقوم إلا على ركائز العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وهي مبادئ لا تتحقق بالشعارات، بل من خلال خطط واضحة تشمل برامج تدريب وتأهيل شاملة تتوزع بعدالة بين جميع مناطق المملكة. كما يتطلب الأمر إعادة النظر في توزيع مكتسبات التنمية، بحيث تراعى الخصوصية الاقتصادية لكل منطقة، وتستثمر ميزتها النسبية لصالح أبنائها. كما ويجب أن تترافق هذه الإصلاحات مع بناء منظومة رقابة فعالة، تلزم جميع المؤسسات باتباع معايير الشفافية والنزاهة، وتربط الإنجاز بالاستحقاق، لا بالانتماء أو القرب من صاحب القرار.
وعند ترسيخ هذه القواعد، تصبح العدالة هي الفيصل في التعيينات والترقيات، في ظل دولة القانون التي تكرس القيم المؤسسية الحديثة، وتغلق أبواب العبث بالحق العام.
وللحديث بقية…