facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سردية الاستثناء


أ.د سلطان المعاني
22-05-2025 07:33 PM

تشكل إشكالية الديمقراطية الإثنية في إسرائيل نموذجًا مركبًا في التاريخ السياسي المعاصر، حيث يتداخل خطاب التفوق القيمي مع منظومة تمييز بنيوي راسخة في صميم البنية القانونية والسياسية للدولة. فعلى الرغم من تصدير إسرائيل لنفسها كواحة ديمقراطية ليبرالية في منطقة مضطربة، إلا أن هذا الخطاب يخفي تحت سطحه واقعًا معقدًا من سياسات الإقصاء، والتفاوت الحقوقي، وترسيخ الامتيازات على أساس الهوية الدينية والقومية.

يبدأ المسار التشريعي بمفاتيح كبرى: قانون العودة الذي يمنح اليهود حصريًا حق الهجرة والجنسية، بينما يُقصى الفلسطينيون عن هذا الامتياز ويُحرمون من العودة أو حتى الاعتراف بحقوقهم التاريخية. ثم تأتي قوانين الجنسية والقومية لترسخ هذا الفصل، فتصبح المواطنة نفسها مقيدة ومشروطة بمعايير الهوية اليهودية، ويُختزل حق تقرير المصير ليشمل جماعة واحدة دون غيرها. على الأرض، تترجم هذه التشريعات إلى ممارسات ممنهجة: فجوات صارخة في التعليم، إقصاء في السكن، تهميش في سوق العمل، وتضييق على المشاركة السياسية، حتى تتحول المواطنة الفلسطينية إلى حالة من الوجود القانوني الهش، موسومة بالريبة ومشروطة بالولاء الدائم.

لا يتوقف الأمر عند الداخل، إذ تنتقل سردية الاستثناء الإسرائيلي إلى المحافل الدولية عبر أدوات دقيقة من الدبلوماسية الثقافية والإعلامية. تتجسد هذه الاستراتيجية في توظيف الذاكرة الجماعية للهولوكوست، حيث تُقدَّم الدولة دائمًا كضحية أبدية مهددة بالزوال، ما يمنحها حصانة أخلاقية وسياسية أمام أي نقد. في الغرب، يروج لهذا الخطاب باعتباره معيارًا أخلاقيًا متفردًا، وتُستخدم التحالفات مع جماعات الضغط والنخب السياسية والإعلامية لتثبيت موقع إسرائيل كاستثناء قيمي وحضاري، متفوقة في ديمقراطيتها على محيطها الإقليمي.

هذه الحصانة الأخلاقية تنتج بيئة دولية مضادة للعدالة الفلسطينية، إذ تُحوَّل أي محاولة للمساءلة إلى اتهام بمعاداة السامية أو استهداف غير مبرر لدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. تتبدى خطورة ذلك في تعطيل آليات المحاسبة، وشل أدوات القانون الدولي، حيث تلتزم إسرائيل بالمعاهدات حين تفيدها وتتنصل منها حين تُدينها، ويُعاد تعريف الخطاب الحقوقي وفق ضرورات الأمن القومي أو الخصوصية التاريخية، لا وفق المعايير العالمية للعدالة.

تكشف التجارب المقارنة أن الديمقراطيات الإثنية ليست استثناءً فريدًا، فقد سبقتها نماذج جنوب أفريقيا زمن الأبارتهايد، والهند مع الأقليات، والولايات المتحدة في تاريخها الطويل مع التمييز العرقي. بيد أن الحالة الإسرائيلية تبرز بقدرتها على تحديث أدواتها الرمزية وتحويل الرأسمال التاريخي للهولوكوست إلى درع سياسي وثقافي يحميها من النقد والمحاسبة، مدعومة بشبكة معقدة من التحالفات الغربية.

في هذا السياق، لا يعود التفوق القيمي سوى آلية لشرعنة الإقصاء وتجميل التمييز، فتُمنح الدولة شرعية أخلاقية تُخفي بنيتها العنصرية وتُحيد أي مساءلة. أما الفلسطينيون، فيظلون أسرى معادلة المواطنة المشروطة، تُنزع عنهم رموز الهوية، وتُحاصر إمكانيات الإنصاف في محكمة عالمية تفتقد لمعايير العدالة المتساوية. بينما تستمر إسرائيل في إعادة إنتاج خطابها الاستثنائي، متكئة على ذاكرة الضحية ورواية التفرد، يظل النظام الدولي عاجزًا أمام منظومة تحكمها القوة وتحركها ازدواجية المعايير.

لهذا كله، تبدو الحاجة ملحّة إلى مساءلة جذرية لخطاب الاستثناء، وإعادة تعريف العدالة والمواطنة خارج حدود انتقائية القوة والرمزية. وحدها المراجعة النقدية الصارمة، فكريًا وسياسيًا، قادرة على كشف حقيقة التمييز البنيوي وتعرية آليات شرعنته في الداخل والخارج، تمهيدًا لإرساء معايير كونية للعدالة لا تُستثنى منها أية جماعة، ولا تُعلّق فيها الحقوق على مشيئة المنتصر أو سردية الضحية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :