بزوغًا للفجر، وتأسيسًا لحلمٍ عربيٍّ طال انتظاره، أطلّ الخامس والعشرون من أيّار ليكتب على جبين الزمن سطرًا جديدًا من الكبرياء.
لقد انطلقت الرؤى، لا تلوي على شيء سوى المجد، وارتفعت الرايات رفرافة، تعلو كما الوعد، كينونة تعمّدت بالتضحيات، وتجلّت في وحدة الإرادة وصلابة القرار.
نُسجت الخيوط الأولى لنهضةٍ أرادها الشعب، لا تهادن ولا تساوم، وتوافد الرفاق من كل لهجات الضاد، يحملون في قلوبهم عبق العروبة وحنين الأرض. صارت الأرض نبضًا، وصار اليوم مرآة للمستقبل، لا يحدّه أفق، ولا توقفه حدود.
تقدّمت الخيل، واعتلت سروجها الفرسان، فكانوا أبناء الحلم، وحملة الرسالة، ومن عيونهم انطلقت إشراقات الدولة التي أرادتها الأمة. هكذا نهضت دار الإمارة مملكة، تحتضنها الرسالة، رسالتها عربية في المبدأ، جامعة في المضمون، أصيلة في الانتماء.
كان هذا اليوم وسمًا خالدًا في ذاكرة الشعوب، ونداءً دائمًا للفخر والعزّة، يُعيد رسم الملامح كلّما تشوّشت الرؤية.
في الخامس والعشرين من أيار، نهضنا، وسنبقى ننهض.
وسنبقى ننهض... لأن فينا روح الأوائل، وفي عروقنا دمٌ تعلّم الكبرياء من تضاريس الأرض وصلابة الصخر.
وسنبقى ننهض... لأن الحكاية بدأت من عهدٍ خُطَّ بمداد التضحية، ومضى في طريق لا يعرف الالتواء.
وسنبقى ننهض... ما دام في القلب نبض، وفي العين بريق، وفي الذاكرة أسماء شهداء كتبوا بالمستحيل طريقًا للممكن.
وسنبقى ننهض... لأننا لا نعرف الهوان، ولا نستكين إن اعتكر المسير، نحن أبناء الرايات التي لا تنكس، والرايات التي لا تنكسر.
ننهض مهما تعثرت بنا الخيل، ننهض لأننا خُلقنا إباء، ولأن الخامس والعشرين من أيّار كان يوم نصرٍ، وميلادًا متجدّدًا لوعدٍ نعيش لأجله، ونموت دونه.
فهذا يومنا... وتلك رايتنا... وهذه مملكتنا التي كلّما اشتدّ عليها العزم، ازدادت شموخًا.
هذه الخيمة... خيمة العزّ والهوية، خيمة المجد الذي بناه الأردنيون بعرقهم، بصبرهم، وبانتمائهم الذي لا تزعزعه الرياح.
نُصبت أعمدتها بأيادٍ هاشمية النسب، أردنية الغرس، من كل فجٍّ من هذا الوطن المبارك، فتوحدت القلوب كما توحدت السواعد، وامتطى الفرسان صهوات عزّهم، يمضي بهم عبدالله الأول، أميرًا يحمل البشارة، وملكًا يرسّخ الجذور.
ومن ذلك اليوم، ظلّت قائمة الشرف تنسج أسماءها بخيوط النور، ملوكٌ وأمراء من سلالة النقاء، حملوا الرسالة وأدّوا الأمانة، رحم الله الحسين الباني، ملك القلوب وضمير الأمة، الذي زرع في تراب الوطن نهج البناء وأوراق الأمل، وأدام الله عز مليكنا المفدى عبدالله الثاني بن الحسين، رمز الحكمة وربّان السفينة التي تمخر عباب التحديات بثبات وكرامة.
وكل عام وأميرُ الشباب، ووليُّ العهد، الحسين بن عبدالله الثاني، بخيرٍ وسداد، يمضي على خطى الكبار، يحمل مشعل الغد بثقةٍ وإيمان.
وكل عام والأردنيون بخير؛ بكل أصولهم ومنابتهم، بكل لهجاتهم ومآثرهم، فأنتم درع هذا الوطن، وسنده الأصيل.
سيبقى الأردن كما كان، وكما نُحب أن يكون: عزيزًا، منيعًا، عصيًا على كل من تسوّل له نفسه بغير ما نرضاه لأردننا، وشامةً لا تزول من جبين الفخر، وطنًا لا تهزمه العواصف، ففيه من الرجال والنساء ما يكفي ليبقى شامخًا ما بقي الزمن.