السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي: تحليل لغوي
د.مأمون الشتيوي العبادي
03-06-2025 06:11 PM
أصبحت البوم وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لملايين الأشخاص حول العالم. ورغم ما توفره من إمكانات هائلة للتواصل والتبادل الثقافي والمعرفي، إلا أن لها جانبًا سلبيًا لا يمكن تجاهله، يتمثل في انتشار الخطاب السلبي والعنيف، والشتائم، والتنمّر الإلكتروني، ونشر الأخبار الزائفة، وغير ذلك من الظواهر اللغوية المقلقة. كخبير لغوي، سنسلّط الضوء على السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي من منظور لغوي، من خلال تحليل أنماط الخطاب، وبُنية الجُمل، والمعجم المستخدم، ودور اللغة في تشكيل هذا السلوك الرقمي السلبي.
أولًا: مظاهر السلبية في الخطاب اللغوي على وسائل التواصل
1. اللغة العدوانية والعنيفة
يُلاحظ انتشار مفردات تحمل طابعًا عدوانيًا، مثل: أنت غبي، فاشل، تافه، ارجع لمكانك، لا تفهم شيئًا. هذه الألفاظ تستخدم غالبًا في سياقات الخلافات أو التعليقات المثيرة للجدل.
2. التهكم والسخرية
يشيع استخدام الأسلوب التهكمي كأداة للتقليل من الآخرين، وغالبًا ما يكون مصحوبًا باستخدام الرموز التعبيرية الساخرة أو العبارات المختزلة مثل:
طبعًا، لأنك تفهم أكثر من العلماء!
ما شاء الله، محلل سياسي !
3. التعميم السلبي
تستخدم وسائل التواصل أحيانًا لغة تعميمية تُكرّس الصور النمطية، مثل:
كل السياسيين كاذبون، الجيل الجديد لا يعرف شيئًا، العرب لا يقرؤون.
ثانيًا: الخصائص اللغوية للسلبية في التواصل الرقمي
1. الاقتصاد اللغوي والانفعال
غالبًا ما تتسم اللغة في وسائل التواصل بالاختصار والسرعة، مما يترك مجالًا واسعًا للتأويل السلبي، ويقلل من فرص التوضيح أو التلطيف. مثلًا:
انا مش فاهم كيف بتفكر! – جملة قصيرة لكنها محمّلة بالانتقاد.
2. غياب السياق غير اللفظي
بسبب غياب الإيماءات ونبرة الصوت في النصوص المكتوبة، فإن كثيرًا من العبارات قد تُفهم على نحو سلبي حتى لو لم تكن النية كذلك، مما يزيد من حدة النقاشات.
3. استخدام الرموز التعبيرية لتعزيز السخرية أو السلبية
ثالثًا: الأثر اللغوي والثقافي للسلبية الرقمية
1. تدهور الذوق العام
يؤدي التكرار في الخطاب السلبي إلى تطبيع الشتائم والسخرية، فيتقبلها المستخدمون كجزء من “الطبيعي”، مما يؤثر على معايير الخطاب اللغوي السليم.
2. نقل العدوى اللغوية
يميل المستخدمون إلى تقليد اللغة الشائعة في محيطهم الرقمي، ما يؤدي إلى انتشار أنماط لغوية سلبية، خاصة بين فئات الشباب والمراهقين.
3. تراجع الحوار البنّاء
يغلب على النقاشات في بعض المنصات طابع الصراع لا الحوار، حيث تتحوّل الآراء المختلفة إلى صراعات لغوية قائمة على الإهانة لا الإقناع.
رابعًا: مقاومة السلبية لغويًا
1. تعزيز لغة الاحترام والتفهم
استخدام عبارات مثل: أرجو التوضيح، قد أكون مخطئًا : يخفف من حدة النقاش ويخلق بيئة أكثر إيجابية.
2. تفعيل خاصية التبليغ وحظر الإساءة
بعض المنصات كالفيس بوك توفر أدوات تقنية يمكن أن تكون دعمًا لغويًا غير مباشر لمحاربة الخطاب السلبي.
3. التثقيف اللغوي الرقمي
ينبغي توعية المستخدمين، خاصة الشباب، بكيفية استخدام اللغة على الإنترنت بشكل مسؤول، مع احترام الآخر وتجنّب التهجم.
تحليل السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي من منظور لغوي يكشف حجم التأثير الكبير للكلمات على العلاقات الرقمية والاجتماعية. فالكلمة المكتوبة – رغم بساطتها الظاهرة فهي تحمل طاقات هائلة يمكن أن تبني أو تهدم. ومن هنا، تظهر الحاجة الملحّة إلى وعي لغوي وثقافي يعيد للغة دورها كوسيلة تواصل إنساني، لا كسلاح لفظي.