facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نقد الحكومة


د. صالح سليم الحموري
05-06-2025 09:43 AM

عندما يصبح الاستماع فنًّا من فنون القيادة، في الكثير من الأنظمة الإدارية التقليدية، يُنظر إلى "النقد" بوصفه تهديدًا ينبغي كتمه، أو تجاوزًا يستحق التصويب. يتعامل بعض المسؤولين مع النقد كما يتعامل الجنود مع صفارات الإنذار: حالة طوارئ مؤقتة يجب إسكاتها، لا الإنصات لمعناها. لكن حين تنقلب المعادلة، وتتحوّل القيادة من سلطة تنظيمية إلى مسؤولية أخلاقية، يصبح النقد مرآة لا خنجرًا، وشعلة نور لا أداة تشهير.

في هذا السياق، يتجلى فهم مختلف تمامًا لدور المسؤول في التعامل مع النقد. فالمدير الناجح لا يُقاس بعدد الملاحظات التي يوزّعها، بل بقدرته على استيعاب النقد الموجَّه إليه، والتفاعل معه برحابة صدر. يقولها أحد القادة الكبار بكل وضوح"أنا المسؤول، كل الأخطاء أخطائي، وكل النجاحات للفريق."

ليست هذه الكلمات تعبيرًا عن تواضع فحسب، بل هي إعلان عن فلسفة قيادة متكاملة، تعتبر أن موقع القرار يتطلب أولًا تحمُّل العبء قبل تقاسم المكافآت.

في هذا الإطار، لا يُعد نقد الحكومة خروجًا عن الطاعة، بل دخولًا في شراكة إصلاحية. فعندما يعبّر أحد الموظفين، أو حتى أحد أفراد المجتمع، عن رأي ناقد في أداء جهة حكومية، فإن ما يُنتظر من القائد ليس الدفاع ولا التبرير، بل الإصغاء والتأمل. القائد الواثق لا يرى في النقد تهديدًا، بل فرصة للتطوير، ودليلًا على أن هناك من لا يزال يؤمن بأن الإصلاح ممكن.

وجوهر المسألة هنا يكمن في "ردة الفعل". ففنون القيادة لا تظهر فقط في لحظات الإنجاز، بل في لحظات التحدي والمساءلة. كيف نرد حين تُوجَّه إلينا ملاحظة؟ هل نكشر عن أنياب الدفاع؟ أم نفتح نوافذ التعلم؟ هل نعامل النقد كعدو، أم نحتضنه كزائر قد يحمل في يده مفتاحًا لإصلاح لم نكن نراه؟

الحكومات الرشيدة، خصوصًا في زمن التحولات المتسارعة والتوقعات المرتفعة، لا يمكنها أن تعيش بمنأى عن النقد. بل إن غياب النقد هو الخطر الحقيقي، لأن الصمت قد يعني خوفًا، أو يأسًا، أو انعدام ثقة. وعندها، تفقد الحكومة واحدة من أثمن أدوات التصحيح والتقويم.

من هنا، نحن بحاجة إلى ترسيخ ثقافة جديدة ترى في "النقد الإيجابي" عنصرًا من عناصر البناء، لا الهدم. نحتاج إلى بيئة يُسمع فيها "صوت الناقد" بقدر "صوت المصفّق"، ويُحتفى فيها بالأسئلة الجادة كما يُحتفى بالإنجازات اللامعة.

فكما أن الحكومة مسؤولة عن تقديم الخدمات، فإن من مسؤوليتها أيضًا أن تستمع للناس الذين تقدم لهم تلك الخدمات. وفي المسافة بين تقديم الخدمة وتقبُّل الرأي، تتشكل القيادة الحقيقية… القيادة التي ترى في النقد قوة لا تهديدًا، وشجاعة لا وقاحة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :