حيوانات هادئة بطبعها ومسالمة، صلبة وقوية ومثابرة، تعمل في أقسى الظروف، غالبا ما تعيش في القرى والأرياف بلا سقف أو مأوى يقيها برد الشتاء أو حرارة الصيف، وحين تحمل الأثقال لا تئن ولا تعبر عن إحساسها بالظلم، تبكي بلا دموع، تموت وهي صامتة، وحين ينزف الجزء الخلفي من أجسادها حيث مربط "الحلس" تذب عن جراحها بذيولها، أما حين يدمى صلب أحدها، حيث لا يصل إليه ذيله (ذنبه) فليس من وسيلة لمقاومة ممتصات الدماء من الحشرات والذباب وسائر الطفيليات سوى التمرغ في الأرض الرخوة، حيث التراب الذي سيحتوينا جميعا، وحين تنتشر الطفيليات في سائر جسمه تجده يحتك بالجدران (والسناسل) يقلب عليها جنبيه دون أن يضرب رأسه (بالحيط) ذلك أن ضرب الرأس بالحيط يعني اتخاذ موقف تجاه موضوع ما ، والتعبير عن الرفض، والحمير بهائم مستكينة لا تقوى على رفض أي فعل يقع عليها، حتى لوكان ذلك الفعل يمس صفاتها الحيوانية ويتناقض مع طبيعتها البيولوجية...
لقد ظلمت الحمير وغلبت في أقصى الأرض وأدناها، ولم ينصفها الكثيرون.. مدح الناس الذئاب والنموروالسباع، وتسموا بأسمائها، وكتبوا فيها الشعرونسجوا حولها القصص والحكايات، وظلت الحمير موضع ذم وتندر واستنقاص حتى يوم الناس هذا.
وأكثر من ذلك كله.. كتبت سير الخلفاء ونقيت من كل منقصة، وظلم الخليفة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية المتوفى سنة (132) هجرية لأنه لقب بالحمار... اعتقدت لبعض الوقت أنه قد اقترف من الأخطاء القاتلة ما أهله لهذا اللقب، لكنني بعد أن اطلعت على جانب من سيرة الرجل ووضعتها في الميزان غيرت رأيي، فقد كان - رحمه الله- مقاتلا شجاعا، يتحلى ببسالة نادرة في الحرب، وصبر منقطع النظير على مجالدة الأعداء؛ فقد أبلى بلاء حسنا في ردع الخزر ومنعهم من الاعتداء على المسلمين، مما أجبر ملكهم خاقان على اعتناق الإسلام، الأمر الذي أدى إلى استقرار الحكم الإسلامي في القوقاز في ذلك الوقت...ولاحقا كان لمروان بن محمد صولات وجولات في كسر شوكة الخوارج قبل أن يطيح به العباسيون.
ومن طريف ما يروى في الأثر الشعبي أن حمارة في الزمن الغابر كانت تحلم بأن تلد جحشا يحمل عنها بعض أعبائها، فكان من مساوئ الصدف أنها ولدت وهي تحمل الحبوب في طريقها إلى المطحنة، فلما ولدت حمل صاحبها الجحش الصغير ووضعه فوق حملها كي لا يتأخر... صفوة القول أن الحمير ظلمت عبر التاريخ ولم ينصفها أحد، حتى الخليفة الملقب بالحمار ظلم أيضا ولم ينصفه التاريخ ... أما الروم فقد غَلبوا واستبدوا مئات السنين، وما زلنا ننتظر بضع السنين الموعودة.