"التشظيات التنظيمية" واحزاب المرحلة الراهنة
فيصل تايه
12-06-2025 09:11 AM
في صورة لطالما تابعنا مجرياتها ، بعض الاحزاب التي كانت قد نشات على نحو تصاعدي وتخفِّت بأقنعة مؤقته وراء إيقاعٍ رتيبٍ لبرامجها ، أصابتها حالة من التشظى والانشقاق والانهيار وسط جملة من الاستقالات ، بل وأنقسمت على نفسهِا بتفرعات متباينة متباعدة المسافات؛ ذلك وفقاً للتباعد الذي حصل لقلوب قادتها وتفكيرهم وأجنداتهم ومصالحهم ، في حين أن البعض منها بقي صاحب "الأغلبية" الشعبوية وتموضع بثقل قيادي متذبذب في توجهه الانتمائي ، محتفظاً بكم عددي متأرجح من المنتسبين ، ومنها ايضاً ما انصهر مع احزاب "مغمورة" ناشئة ليجد لنفسه مقعداً متقدماً سعيا للشهرة والجاه والمنصب .
اننا ونحن نمر في مرحلة مهمة من تاريخ بلدنا ، وفقاً للظروف الإقليمية والدولية ، والتي تتطلب مواقف وطنية ثابتة وواضحة ، نرى بعضاً من الاحزاب تمر بمنعطف حاسم في تاريخها التنظيمي "الحديث" ، فهي اضافة انها غاطسة في أزمةٍ قياديةٍ داخلية ، فانها باتت تقف أمام مفترق طرق من حيث خياراتها الاستراتيجية ذات العلاقة بهويتها ودورها الوطني ، وعدم استطاعتها تدارك ما اصابها من انقسامات وتصدعات داخلية وصلت حد الاتهامات العلنية ، اضافة لعدم قدرتها اتخاذ خطوات ايجابية لتظفر بمساحة على خارطة الوطن ، فكل فرد من قادتها منشغل "بالظهور والتباهي" ينظر إلى نفسه أنه هو الأولى بقيادة الحزب للمرحلة القادمة ، وأنه "الكل في الكل" ، وهذا نتيجة للتعبئة الداخلية الخاطئة ، والتي تلعب دورا سلبيا في تنامي "الشعور بالحذر " من طرف ضد الآخر .
في حين أن المتتبع للحالة العامة لتلك الاحزاب "المستحدثة"يجد انها تعيش أزمة وعي ، فهي لا تمتلك خبرة كافيه في العمل التنظيمي، اذ تنطلق ادبياتها من لغة كلاسيكية وشعارات دعائية مصلحية متمثلة بتقديم الذات ، وتراهن على مناخ الاستقطاب وجاذبية المُزايدة ، فلم يكن لديها وضوح لرؤية مستقبلية لعملها الوطني سوى التحشيد والتهيؤ والاستعداد للانتخابات البرلمانية ، وكانها وجدت لتجاوز تلك المرحلة وحمل بعض اعضائها الى "كرسي النيابة" باي ثمن ، ما ادى الى تراجع دوراها ومكانتها بعد ذلك على المستوى المحلي ، وخلق صراعات بين قياداتها لتصل فيما بينها مستوى "أزمة ثقة" ، ليتسع الشرخ ، فباتت تخشى من ان ذلك أوسع من القدرة على المعالجة ، بعكس الاحزاب العتيدة صاحبة الاتجاهات الفكرية السياسية التي تحمل ايديولوجية فكرية وسياسية وتنظيمية ومفاهيمية اجتماعية .
انا "شخصيا" أُلخص أزمة تلك الاحزاب في هذه المرحلة إلى مشكلة "الشتات النفسي" بين قيادات الحزب الواحد من جهة وبين اعضائها من جهة أخرى ، والتي تحولت إلى تفرعات " كلٌ يغني على ليلاه" ، فكل منهم يعمل على أن يتصدر المشهد للمرحلة القادمة دون مراعاة للوائح وأنظمة الحزب الداخلية التي بني الحزب على اساسها ، وبذلك فان هذا "البعد النفسي" ظهر جليا من خلال الاعتماد على الفزعات الشعبوية ، والتي قادت الى انتسابات عشوائية كبيرة للاعضاء بحكم "الكسب" القبلي او العشائري والمعارفي والشللي ، ذلك بامتلاك أدوات تحمل تصورات مزعومة قد تقود الى تصدر للمشهد القادم كما تعتقد .
ان تلك الأحزاب ، وان بقيت على هذا التشتت والنكوص والضياع في ظل غياب الروح القيادية "الجماعية " وابتعادها في عملها عن أسس وبرامج الحزب الداخلية ، فستظل هائمة في زحمة الفوضى التي "وضعت نفسها بها" ، ذلك انها لم تتخذ من العمل الحزبي الجماعي "نهجاً" ، ولم تأخذ درسا من تجربة الكثير من الاحزاب التي تصدرت المشهد في بعض بلدان الجوار العربي ، والتي لم ينازعها احد صيتا وقوة ودعما ، لكنها استمدت قوتها من قوة "فرد" ، لذلك رأينا كيف كان سقوطها سريعا ولفظت أنفاسها الأخيرة بوقت غير متوقع .
ملخص القول ان مشكلة "الأزمات الداخلية" التي تتصاعد حاليا داخل أروقة بعض من الاحزاب "الصورية" التي تقدمت "كديكور" سياسي أمام الرأي المحلي من اجل الوصول الى "البرلمان" ، انها ولدت دون ايدولوجية فكرية واستراتيجية عمل واضحة ، وليس لديها رصيدٌ وافر من التاريخ والتنظيم والنضج ، فهي احزاب ضعيفة وهشة ، وسرعة تلاشيها من الواقع السياسي واضحة لارتباطها بأشخاص وليس بإستراتيجيات أو أهداف حزبية ، لذلك فنحن نحتاج الى احزاب تمتلك الكثير من مقومات البقاء ، احزاب ترتقي بوعي سياسي وشعبي إلى القادم في مستقبل الأردن ، والذي سيكون مرهونا بخيارات الشعب وكما اراده جلالة الملك ، مع التأكيد لقادة تلك الاحزاب أن قاموس العمل السياسي في الأردن متسع ، فالكل يتطلع أن يكون الجميع شركاء في صناعة المستقبل المشرق للاردن الجديد ، فما نأمله من القيادات العليا لهذه الاحزاب إزاحة الترسبات التي علقت بجسمها ، وفتح صفحة جديدة ، وعقد تحالفات سياسية جادة بعيدا عن ممارسات الإقصاء والتسلط .
مما سبق ، فاننا كاردنيين نمتلك من الوعي ما يمكننا ان نقرأ الفاتحةَ على روح اية احزاب تحمل سرديَّات "تقليدية" ، وسنضع الورود على مراقد البعض الآخر من الأحزاب الهشَّة؛ التي ما زالت تعجز عن الحشد الوطني ، وتخفق أن تكون رقمًا فى المنافسة ببن مختلف الاحزاب والقوى السياسية ، على قاعدة الاشتباك الايجابي مع المواطنين والاتّصال المباشر بالقواعد ، ويكون لها أثرٌ مُباشر على البيئة المدنيّة بكاملها بواقعية وديناميكية ، لتتحسَّن قدراتها بتراكُم الخبرة ، وليس بالشعارات وتقطيع المراحل وإدمان البداية من الصفر ، وتلافي الخروج من المشهد قبل بدايته ، على شرط انتزاع المكاسب بالمُثابرة والتراكُم واحترام الجمهور، وليس بتضليله بالشعارات البراقة ، ولا توريطه فى مشاعر ساذجة أو نزوةٍ طائشة.
الله ولي التوفيق
مع تحياتي ..