البيوت الآمنة .. حين يصبح المأوى مساحة للكرامة
تهاني روحي
12-06-2025 08:15 PM
"البيوت الآمنة" ، تتردد هذه العبارة في المؤتمرات والتقارير، وربما تمرّ مرور الكرام على آذاننا دون أن نتوقف لنسأل: ما هي هذه البيوت؟ ولماذا نحتاجها؟ وهل أصبحت العائلة فعلًا مصدر خطر على أفرادها؟
ضمن مشروع "تحسين الوصول إلى الخدمات الشاملة المتعلقة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي"، طرحت جمعية قرى الأطفال SOS الأردنية هذا السؤال الجوهري، وأطلقت دراسة تقييمية بالشراكة مع مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية، بإشراف الدكتورة أمل العواودة، لاختبار مدى فعالية هذا النموذج في بيئة اجتماعية معقدة.
الورشة جمعت شخصيات بارزة من القطاعين الرسمي والمدني، على رأسهم معالي م. مها العلي، د. محمد مقدادي، والعميد زياد النسور، وممثلون عن الاتحاد الأوروبي، والوكالة الإسبانية للتعاون، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى جانب العديد من الشركاء المحليين والدوليين، هذا ما يؤكد اصرار جميع الجهات الفاعلة بأن البيوت هذه هي أكثر من مأوى بل هي مساحة للكرامة.
نتائج الدراسة كانت لافتة. حيث قدمت هذه البيوت الآمنة التمكين للمرأة ورفعت ثقتها في حياتها بحسب ما قدّمته د. العواودة، فإن 66.7% من المستفيدات حصلن على فوائد اقتصادية طويلة الأمد بفضل تدريبات مهنية في مجالات مثل التجميل والتسويق الإلكتروني، مما مكّنهن من إطلاق مشاريعهن الخاصة بعد الخروج من المأوى.
أما على الصعيد القانوني، فان 38.1% من الناجيات كان الدعم القانوني في قضايا الطلاق، الحضانة، والنفقة. وقدّم النموذج للمستفيدات حرية التنقل والعمل، وحق اتخاذ قراراتهن اليومية من مصروف الجيب إلى زيارة الطبيب، ليُصبح هذا البيت، الذي كان يومًا ملاذًا طارئًا، نقطة انطلاق نحو الاستقلال.
يبدو ان الأمر قد تغير بالفعل فتتحول النظرة من شفقة وضحية الى قة بالنفس قائمة على التمكين، وعلى الحقوق لا الرعاية المؤسسية. فهنا تُعامل المرأة كإنسانة كاملة الحقوق. وهي شريكة في رسم مسار حياتها، ومسؤولة عن قراراتها، في بيئة داعمة تحترم خصوصيتها وتُعزز استقلالها.
وبالرغم من أهمية هذه النماذج، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في النظرة المجتمعية التي تعتبر العنف مسألة "عائلية" و"فضيحة يجب سترها"، لا جريمة تستوجب المحاسبة. وهذا ما جرى في النقاش التفاعلي في الورشة، حيث طُرحت تساؤلات صريحة واقتراحات عملية، أكدت جميعها أن الحل لا يكمن فقط في توفير "بيت آمن"، بل في النظرة المجتمعية الآمنة. فمن المعلّمين إلى المؤثّرين على "السوشيال ميديا"، ومن الخطباء إلى صُنّاع القرار، تقع مسؤولية إعادة صياغة الخطاب المجتمعي حول العنف. فشبكة الأمان الاجتماعي أصبحت مهترئة، ونحتاج إلى وقفة حقيقية لإعادة ترميمها.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستُستخدم نتائج هذه الدراسة لتطوير السياسات وتعزيز التنسيق بين الجهات المعنية؟ أم ستظلّ حبيسة التقارير؟ في وقت استطاعت SOA ان تبني البيوت الآمنة كأحد الجسور القليلة التي نحاول تشييدها فوق واقع قاسٍ.