العمق الاستراتيجي للنزاع الإيراني الإسرائيلي !
د. عادل محمد القطاونة
15-06-2025 04:05 AM
بعد الضربات الإسرائيلية لأصول عسكرية كمصانع الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي ومراكز القيادة في إيران، بالإضافة إلى أحياء سكنية يقطنها بعض كبار قادة حرس الثورة وقيادات عسكرية وسياسية وعلماء نوويون ايرانيون، وبعد الرد التقليدي لإيران الذي إنحصر في الصواريخ الباليستية والمسيرات، حيث تمتلك إيران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن مسيرات هجومية متنوعة، طرح الكثيرون العديد من التساؤلات، من أبرزها ما هو العمق الاستراتيجي للنزاع الإيراني الإسرائيلي ؟؟
لطالما إتسم الصراع الإيراني الإسرائيلي بطابع استراتيجي معقد تجاوز الجغرافيا ليأخذ أبعادًا إقليمية ودولية، هذا الصراع، وإن لم يتحول حتى الآن إلى مواجهة شاملة، إلا أنه يشهد تصاعدًا مستمرًا في التوترات عبر عمليات عسكرية غير مباشرة، وهجمات سيبرانية متنوعة، ودعماً لتنظيميات عسكرية أو سياسية متفرقة، فما هو البعد الاستراتيجي لهذا الصراع الإقليمي؟ وما الذي يمكن أن يحمله المستقبل في ظل التصعيدات الأخيرة ...!
تاريخياً، بعد ظهور مفهوم الإسلام السياسي "الإسلاموية" التي جاء أعقاب سقوط نظام الشاه (محمد رضا بهلوي) وصعود الخميني للسلطة في إيران العام 1979، سعت إيران منذ بداية الثمانينيات إلى تحقيق نفوذ إقليمي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة عبر محور المقاومة (حزب الله، حماس، الحوثيين، ميليشيات العراق)، وكان لمشاركة أيدلوجيات مختلفة مثل الإشتراكية والليبرالية والقومية دور في ترسيخ فكرة هذا النفوذ، لتتطور الأفكار الإيرانية إلى تطوير القدرات النووية كأداة ردع ولتحقيق مكانة استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
في مقابل ذلك كان لإسرائيل رأي آخر، حيث رأت أنه من غير الممكن أن تسمح لإيران بإمتلاك أية قدرات عسكرية نووية مهما كان الثمن، وسعت إلى إضعاف أو تفكيك بنية "الممر الشيعي" الذي إمتد من طهران إلى بيروت مروراً في دمشق وبغداد، والمحافظة على تفوقها العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي في منطقة الشرق الأوسط.
إسرائيل حققت العديد من الأهداف الإستراتيجية خلال السنوات الماضية، فاغتالت العديد من القيادات العسكرية والسياسية في إيران وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين، كما وقامت بتنفيذ مئات الغارات ضد أهداف إيرانية أو تابعة لها في سوريا والعراق ولبنان، رافق كل ذلك هجوم سيبراني وإلكتروني متطور للعديد من المنشآت الحيوية في المنطقة.
في خضم هذا النزاع رآى الكثير من المحللين في الجانب السياسي والعسكري إلى أن هنالك عدداً من السيناريوهات التي يمكن طرحها للنزاع الإيراني الإسرائيلي بشكله الحالي، كالتصعيد المحدود من خلال استمرار الغارات الإسرائيلية على إيران، يقابل ذلك ردود محسوبة من إيران عبر المسيرات والصواريخ أوعبر حلفائها دون الإنزلاق لحرب شاملة، هذا السيناريو مرجح في الوقت الراهن، نظراً لحسابات الربح والخسارة للطرفين، بينما يرى البعض أن حرباً إقليمية متعددة الجبهات، قد تفجر الأوضاع في المنطقة، يشعل أكثر من جبهة في المنطقة تستدعي تدخلاً دولياً لمحاولة احتواء الموقف، كما قد يكون لإتفاق ضمني أو صفقة غير مباشرة، بوساطة دولية يتم التوصل من خلالها لتفاهمات لخفض التصعيد العسكري، يشمل الإتفاق تقييد النفوذ الإيراني مقابل عدم استهدافه المباشر، هذا السيناريو ضعيف في المدى القريب بسبب غياب الثقة بين الأطراف ..!
الصراع الإيراني الإسرائيلي مرشح للبقاء كواحد من أعقد النزاعات غير المعلنة في الشرق الأوسط، البعد الاستراتيجي له لا يقتصر على الأمن القومي، بل يمتد إلى مستقبل النفوذ الإقليمي وهيكل النظام العالمي المتغير، ليبقى التساؤل بشأن التصعيد القادم الذي لا محالة منه إن لم يتم كبح الديناميكيات المتسارعة للطرفين، لكن حربًا شاملة تظل خيارًا مرًا للجميع، سيُسعى لتجنبه الدول التي تمتع بالحكمة والموضوعية كالأردن الذي لطالما كانت دعوته تنصب على ضبط النفس واللجوء للتفاوض البناء المبني على تبادل المصالح المشتركة، مع تأكيد الأردن المستمر بعدم السماح بإختراق أجواءه تحت أي ظرف أو غاية.