في زحمة العلاقات الإنسانية، هناك ما يمكن إدراجه تحت مسمى "خيانة" لكنها خيانة من نوع مختلف، لا تُشبه الخيانة العاطفية، ولا حتى خيبة الظن، بل هي شعور ثقيل يترك في الروح ندبة لا تُشفى بسهولة.
"نكران الجميل" أحد أكثر التصرفات وجعًا وأشدّها مرارة، فأحيانا قد تمنح من وقتك، من جهدك، من قلبك، وتكون صادق النية وعميق العطاء، ثم لا تنتظر شيئًا في المقابل سوى تقدير بسيط، أو حتى كلمة امتنان، ولكن ما لا يخطر على بالك هو أن يأتيك النكران ممّن لم تتوقع، من الذين ظننت أن الخير الذي قدمته لهم سيبقى يومًا محفورًا في ذاكرتهم.
"نكران الجميل" لا يؤلم فقط لأنه جحود، بل لأنه غالبًا ما يأتي من شخص لم تبخل عليه بشيء، هو الوجه القبيح لعدم الوفاء، ويد خفية تطفئ نور العلاقات مهما كانت متينة، وما يزيد من قسوته أنه يأتي فجأة، دون تمهيد، ودون مبرر واضح، فيتحول الإحسان إلى عبء، والذكرى الطيبة إلى وخز في القلب.
"نكران الجميل" لا يُدين من قدّم المعروف، بل يفضح خواء النفوس التي اعتادت الأخذ دون أدنى شعور بالعرفان، والعطاء لا يُقاس برد الجميل، بل بنُبل من يمنحه، لكن حين يتحوّل المعروف إلى سبب للأذى، يتعلّم القلب أن يعطي بصمت، وأن يُحسن دون أن يعلّق أملًا؛ لأن النُبل لا يحتاج تصفيقًا؛ بل يستحق الاحترام، ولو من النفس فقط.