خطاب الملك عبدالله الثاني في البرلمان الأوروبي: نداءٌ للضمير الانساني
د.مأمون الشتيوي العبادي
17-06-2025 08:09 PM
في لحظة مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط والعالم، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، ليُلقي خطابًا تاريخيًا نابعًا من ضمير أمة، يحمل في طيّاته نداءً للإنسانية، وتحذيرًا من الانزلاق إلى هاوية أخلاقية، في ظل استمرار المآسي التي يشهدها قطاع غزة، واشتداد التوتر في الإقليم.
الملك يتحدث بلسان الإنسانية:
لم تكن كلمة الملك عبدالله الثاني موجهة فقط إلى الأوروبيين، بل إلى ضمير العالم. فقد استهل خطابه بإشارات واضحة إلى الانحدار الخطير الذي يشهده النظام القيمي الدولي، مؤكدًا أن العالم لم يشهد منذ أجيال خرقًا فاضحًا للقانون الدولي والإنساني كما يحدث في غزة اليوم.
وبين جلالته:
“عندما لا تُمارس القيم، تصبح مجرد شعارات جوفاء، وأحيانًا أدوات لتبرير الظلم”.
بهذه الكلمات، رسم صورة قاتمة لما يحدث، لكنه لم يكتفِ بالشكوى، بل حمّل المجتمع الدولي مسؤولية هذا السكوت، داعيًا إلى تحرّك فعلي يرتقي إلى مستوى المأساة.
غزة بوصفها مرآة الضمير العالمي
ركّز جلالته على الوضع الكارثي في غزة، مسلطًا الضوء على الهجمات الإسرائيلية التي لم توفر المستشفيات، ولا الأطفال، ولا حتى فرق الإغاثة. وأشار إلى تقرير منظمة الصحة العالمية الذي وثّق ما يقارب 700 هجوم على منشآت الرعاية الصحية منذ بداية الحرب، معتبراً ذلك مؤشراً على تآكل القيم الكونية المشتركة.
وجّه جلالة الملك رسالة واضحة إلى الحضور وبين فيها كا يلي :
“إن خذلان غزة هو خذلان للإنسانية، وإن السكوت عن قتل الأبرياء هو تواطؤ مع الجريمة”.
تحذير من خطر الانفجار الإقليمي
في خضم التوتر بين إسرائيل وإيران، حذر الملك من مغبة التصعيد، وخص بالذكر الضربة الإسرائيلية الأخيرة على منشآت إيرانية، مؤكدًا أن مثل هذه العمليات قد تُشعل فتيل مواجهة أوسع تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
أوضح جلالة الملك أن الأردن، بصفته دولة مجاورة ومركزًا للسلام، يشعر بقلق بالغ إزاء أي تصعيد، ويرفض بشكل قاطع أن يكون ساحة لأي حرب بالوكالة أو المواجهات المباشرة.
القدس والتعايش الديني: الأردن كصوت للاعتدال
تحدث جلالة الملك عبدالله، بصفته الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، عن ضرورة حماية الوضع القانوني والتاريخي للمدينة، مجددًا تمسك الأردن بحماية هوية القدس كرمز للسلام، لا ساحة للنزاع الديني.
كما استعرض جلالته تجربة الأردن في التعددية والتسامح، مشيرًا إلى أن التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود ليس فكرة خيالية، بل واقعًا معيشًا في التاريخ العربي الإسلامي، ودور الأردن هو حماية هذا الإرث وترسيخه.
دعوة إلى دور أوروبي فاعل
أثنى جلالته على العلاقات التاريخية بين الأردن والاتحاد الأوروبي، إلا أنه طالب بدور أوروبي أكثر جرأة في وقف الحرب وإنهاء الاحتلال. لم تكن الدعوة سياسية فحسب، بل كانت أخلاقية أيضًا، مشددًا على أن ما يحدث في فلسطين يحدد مصداقية التزام العالم بالقيم التي يتغنى بها.
خطاب استثنائي وتفاعل أوروبي واسع
لقي الخطاب ترحيبًا لافتًا من أعضاء البرلمان الأوروبي، حيث عبّرت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، عن امتنانها لموقف جلالة الملك ودوره التاريخي في الدفاع عن السلام والعدالة.
وقالت في كلمتها الترحيبية:
“جلالتكم تتركون في كل زيارة أثرًا لا يُمحى في نفوس الأوروبيين. أنتم صوت الحكمة في عالم تائه”.
نداء إنساني عابر للحدود
خطاب الملك عبدالله الثاني في مدينة ستراسبورغ الفرنسية لم يكن مجرد موقف سياسي، بل وثيقة إنسانية وأخلاقية، تُذكّر العالم بأن فقدان القيم هو أكبر تهديد للأمن والاستقرار، وأن السكوت عن المأساة الفلسطينية يُعد خيانة لكل ما تدّعيه الحضارة الإنسانية من عدالة وحقوق.
لقد نجح جلالة الملك، مرة أخرى، في إعادة تموضع الأردن كمحور للاعتدال، وصوت للعدالة في عالم تتكاثر فيه الأزمات وتقل فيه الأصوات الصادقة
الإنساني واستنهاض للقيم الكونية.
د