وجه الملك خطابًا مبهرًا لأوروبا والعالم، ربط فيه بين الأحداث الجارية في منطقتنا وبين واقع النظام الدولي الراهن كما تصممه واشنطن بالاشتراك مع الاسرائيلية العالمية.
وسنبحث في ثلاثة أركان للعملية الاتصالية في هذا الحدث، وهي: الجهة المرسلة، ومحتوى الرسالة، والجمهور المتلقي.. ثم التأثير المتوقع لهذه العملية الاتصالية وفقًا لقواعد ومبادئ الإعلام بشقيه التقليدي والمعاصر. وسنتناول هذه الأركان تباعًا.
أولًا: الجهة المرسلة، ممثلة بالملك الذي هو محل احترام وموضع ثقة أوروبيًا وعالميًا؛ ولهذا تُقدّم دومًا شخصيته وحديثه في كل المحافل والمؤسسات الدولية المختلفة كصوت معبر عن الحق والعدل والمساواة والسلام، سيما وأنه يقود بلده من بعد والده الراحل الحسين بذات الكفاءة والمصداقية والوضوح التي تسم الدبلوماسية الأردنية، كما عهدتها وعرفتها وتقدرها دول العالم، خاصة أوروبا على وجه الخصوص. إذن، المرسل شخصية دولية مرموقة ينتظرها ويصغي لها كل من يرغب أن يعرف أكثر عن قضايا المنطقة، خاصة قضية فلسطين. وجلالته يبرع في وضوح حديثه كي يوصل رسائله وأفكاره وآراءه بسهولة وأسلوب إقناعي متفرد.
وثانيًا: محتوى الرسالة، ويقول فيها المرسل إن غزة خذلها العالم، وإن عالمنا ينحدر أخلاقيًا؛ حيث إن ما يجري اليوم يتنافى مع القانون الدولي، وإن أمن الدول الحقيقي لا تحققه قوة الجيوش فحسب، وإن العالم بات ينحدر أخلاقيًا وتتكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا. وهو يقصد هنا أن العالم مكبل اليدين ولا حول له في ردع آلة الموت ضد مدنيين أبرياء في فلسطين وتحدي سيادة والتدخل في شؤونها. ولم يخف إيمان جلالته الراسخ بسلوك طريق السلام وبالقيم المشتركة التي تقع في صلب الوصاية الأردنية الهاشمية على مقدساتنا في القدس.
وثالثًا: الجهة المستقبِلة، وهي البرلمان الأوروبي مكانًا وشخوصًا، وأوروبا والمجتمع الدولي بكليته. وقد اعتاد جلالته أن يغتنم هكذا منابر برلمانية، كما يحصل في خطبه أمام الكونغرس عدة مرات، لينقل لصانعي القرار من ممثلي الشعوب ومعشر النخب السياسية وصناع القرار والمجتمعات المدنية والأحزاب رؤاه في القضايا الإقليمية ومنظومة القيم التي يجب أن تضبط سلوك الدول وفقًا لقواعد القانون والمعايير الأخلاقية، وليس المصالح المجردة والأطماع التي باتت تستفرد في سياسات بعض الدول والقوى الدولية بما يكفل إصابتها بعمى أبصارها عن الحق والعدل. فهل نحن اليوم في ظل ما طرحه الخطاب الملكي وما تشهده الأحداث الجارية من جور وغطرسة وعربدة أمام عالم تجرد عاريًا بدون كساء قانوني يضبط تفاعلاته والعلاقات الدولية؟ أما التغذية الراجعة الآنية فقد شاهدناها في الوقوف والتصفيق من أعضاء البرلمان الأوروبي والتغطية الإعلامية الدولية الواسعة للحدث، على أمل أن نرى مواقف أكثر موضوعية للنخب السياسية في الاتحاد الأوروبي.