صوت العقل ولغة الضمير على منبر البرلمان الاوروبي
فيصل تايه
21-06-2025 10:19 AM
في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة لحظة مفصلية من تاريخها ، ارتجل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في المنابر الدولية ، وارتقى صوته من قلب البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية تحدث بحكمة الملوك وإرث الهاشميين ، ليحمل في نبراته نبض الأمة وضميرها "مدافعا قويا صلباً" عن قضاياها العادلة ، واضعا المجتمع الدولي امام مسؤولياته الاخلاقية والقانونية في السعي الجاد من اجل احلال السلام والعدل في المنطقة ، وتمكين شعوبها من الحياة الحرة الكريمة، مؤكداً جلالته ان الجميع مسؤول عن حالة الفوضى والدمار والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تعيشها منطقتنا، وان الجميع مسؤول عن انهاء هذه الفوضى .
لقد قدم جلالة الملك خطاباً مسؤولا في لحظة حرجة، وعلى منبر أوروبي مرموق ، موجّهًا رسالة قوية إلى الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي والعالم أجمع ، عبر فيه عن أوجاع الأمة ، فكان خطاباً تاريخياً واضحاً ، يحمل في مضاميته المواقف المبدئية التي لا تقبل التأويل ، فكان وقار العقل يصنع له مهابة تعلو على التصفيق ، فقد عبر جلالته عن ضمير الأردنيين وأمتنا العربية في سعيها لبناء السلام الحقيقي في المنطقة، الذي يستند الى العدالة والشرعية الدولية والمواثيق الأخلاقية والإنسانية والقانون الدولي الإنساني .
لقد اختار جلالة الملك توقيتا دقيقا للقيام بزيارته إلى أوروبا، بالتزامن مع التوترات الإقليمية، لاسيما عقب الاستهداف الإسرائيلي لإيران ، وهو ما يبرز البعد السياسي العميق للزيارة والخطاب معا ، ليقدم قراءة واقعية لأسباب الصراعات في المنطقة ، المتمثلة بدولة الاحتلال الإسرائيلي وسياساتها العدوانية وسعيها الدائم إلى توسيع دائرة الصراعات في المنطقة ، وان قضية حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف وإعمارها ومنع تهويدها لم تغب عن بال جلالته حين أشار في خطابه، بأن قيم المحبة والتسامح تقع في صلب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعهدنا بحماية هويتها التاريخية متعددة الأديان من أي اعتداء ما يشكل رسالة واضحة للعالم بأسره .
لطالما تحدث جلاله الملك بصلابه معهودة وعلى كافة المستويات الإقليمية والعربية والدولية ، عن موقف الاردن الثابت ، ليعكس نهجًا ملكيًا عروبيًا لا يقبل التاويل تجاه العدالة وحقوق الإنسان ، ويقدم رؤية واضحة ومتماسكة تجاه قضايا المنطقة، وعلى رأسها السلام في الشرق الأوسط ، وفي الدفاع عن القدس والمقدسات ، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ووقف العدوان الإسرائيلي البشع الذي يتعرض له، إضافة إلى نشر قيم المحبة والتسامح، وبناء مجتمع انساني قائم على التعاون وخال من العنف والكراهية مهما تعاظمت الضغوط وتبدّلت الحسابات الدولية .
لقد اكد جلالة الملك على ضرورة إعادة الثقة للنظام الدولي ومبادئ الأمم المتحدة التي تراجعت بفعل السياسات المنحازة التي تتجاهل حقوق الشعوب المظلومة، وعدم القدرة على فرض العدالة الدولية ، بسبب عجز المجتمع الدولي عن فرض قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة ، والتي باتت تقاس بمكيالين ومعايير مختلفة ومزاجية، فيما المجتمع الدولي يشاهد الظلم الذي يمارس ضد الفلسطينيين ، من خلال القصف والتدمير والقتل اليومي ، وسياسة التجويع والحصار الممنهج للفلسطينيين في قطاع غزه ، موضحاً أن ازدواجية المعايير تُقوّض القيم التي يدّعي العالم الدفاع عنها.
لقد اعاد جلالة الملك الحديث عن أمن المنطقة ، ليؤكد حق الشعوب العيش بسلم وامان واستقرار منادياً الضمير الإنساني ، فقد عاود التأكيد أن السلام لا يُبنى على أنقاض الظلم ، ولا على أنقاض غزة المحاصرة التي تُباد تحت سمع العالم وبصره ، فكان صوت الملك بمثابة ضمير حي يصرخ في وجه الصمت العالمي تجاه شعب أعزل يرزح تحت نير الاحتلال والمعاناة ، فما جرى ويجري في غزة هو "نسخة مخزية من الإنسانية" في إدانة أخلاقية واضحة للعالم المتحضر حين "يُغض الطرف" عن دماء الأبرياء، وصوت الأطفال المحاصرين، وأمل الشعوب في حياة كريمة.
بقي ان اقول ان خطاب جلالة الملك كان "درساً" في السياسة وفي الإنسانية، وفي الدبلوماسية ، فحين تنصت اوروبا احتراما وتقديراً حين يتكلم ملك بقامة جلالة الملك عبدالله الثاني يُصفق العالم تقديرًا لما يمثله من حكمة واتزان نادر ، ومن ضمير عربي يقظ لا يساوم على الحق ، فجلالته لم يكتفِ بتشخيص الالم وعرض المشكلة، بل طرح رؤيه سديدة تبدأ بوقف فوري لإطلاق النار، إلى احترام القانون الدولي، إلى إنهاء دوامة العنف ، وحل قائم على أساس حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد نحو سلام عادل ودائم، يحفظ للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
واخيرا فنحن كاردنيين نعبر عن اعتزازنا بهذا الخطاب الشجاع الذي يعكس موقف الأردن الرافض لكل أشكال الظلم والعدوان، ونعرب عن وقوفنا التام خلف المواقف الأردنية التاريخية والراسخة بقيادة جلالة الملك تجاه القضية الفلسطينية بجميع تفاصيلها وأركانها والجهود النوعية لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإنهاء الكارثة الإنسانية هناك وضمان وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى أهلنا في غزه .
ادام الله جلالة الملك ذخراً وسنداً للوطن والأمة
وحمى الله الاردن ارض الفخر والعز .