أزمة الانتحال الأكاديمي في الجامعات في عصر الذكاء الاصطناعي
د.مأمون الشتيوي العبادي
22-06-2025 10:55 AM
تشهد الجامعات حول العالم موجة جديدة من التحديات الأكاديمية مع بروز أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي غيّرت قواعد اللعبة في التعليم والبحث العلمي. في مقدمة هذه التحديات تبرز أزمة الانتحال الأكاديمي، التي باتت تتخذ أشكالاً أكثر تعقيدًا مما كانت عليه في السابق، وأصبحت تهدد جوهر العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي.
انتحال من نوع جديد :
لم يعد الانتحال يقتصر على النسخ واللصق من الإنترنت أو من أبحاث منشورة، بل تطوّر ليشمل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج نصوص “أصلية” من حيث الشكل، لكنها في الحقيقة ليست ثمرة جهد ذاتي للطالب أو الباحث. نماذج لغوية مثل ChatGPT، وClaude، وGemini، قادرة اليوم على توليد مقالات وتقارير علمية بأسلوب أكاديمي متقن، مما يجعل مهمة كشف الانتحال بالطرق التقليدية أكثر صعوبة.
ما هي اسباب فاقم الأزمة؟
عدة عوامل ساهمت في استفحال الظاهرة، من أبرزها:
• سهولة الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، بل وتوفرها مجانًا في أحيان كثيرة.
• الضغوط الأكاديمية المتزايدة، والتي تدفع بعض الطلاب إلى البحث عن حلول سريعة.
• غياب التوجيه الأخلاقي والوعي الأكاديمي، خاصة في الجامعات التي لم تُحدث سياساتها لمواكبة التطورات التقنية.
• قصور أدوات الكشف التقليدية مثل برمجية Turnitin، التي تشترك بها اغلب الحامعات، والتي لم تُصمم لرصد النصوص المُنتجة آليًا من الصفر. رغم ذلك، يوجد اليوم خيارا يبين ان كان النص مكتوب بواسطة الادوات التوليدية.
ما الذي يمكن أن نخسره؟
استمرار هذه الممارسات دون رد فعل حازم وممنهج، قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة:
• انهيار الثقة في الشهادات الأكاديمية، وبالتالي تقويض سمعة الجامعات ومخرجاتها.
• تراجع المهارات الأساسية للطلبة في الكتابة والتحليل والتفكير النقدي.
• خلل في منظومة التقييم، مع صعوبة التمييز بين الجهد الحقيقي والانتحال الذكي.
كيف تواجه الجامعات هذا التحدي؟
لم تعد المواجهة خيارًا بل ضرورة. ويمكن تلخيص الاستجابات الممكنة في محورين: الرصد والكشف، وإعادة هيكلة التعليم والتقييم.
أولاً: أساليب الكشف
1. الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي المضادة مثل:
• GPTZero
•Turnitin AI Detection
•Originality.ai
•Copyleaks AI Detector
ورغم أن هذه الأدوات مفيدة، إلا أنها ليست معصومة عن الخطأ، ويجب استخدامها كمؤشرات لا كأدلة قاطعة.
2. التحليل اللغوي من قبل الأساتذة، عبر ملاحظة اختلافات الأسلوب والمستوى عن أعمال الطالب السابقة، أو وجود جمل عامة مفرطة أو خالية من التفاصيل الأصيلة.
3. مقارنة البحث بأعمال الطالب السابقة لتقييم مدى التناسق في الأداء اللغوي والفكري.
4. التدقيق في المراجع، إذ أن الذكاء الاصطناعي قد يفبرك مصادر أو يستخدم مراجع غير موجودة أصلًا.
5. إجراء مناقشات شفهية مع الطالب حول ما كتبه، لاختبار مدى إلمامه بالمحتوى، وهو اختبار يكشف بسهولة مدى صدق نسبة البحث إليه.
6. فرض تسليم البحث على مراحل متتابعة، من الخطة إلى المسودة إلى المراجعة ثم النسخة النهائية، وهي استراتيجية تحدّ من احتمالية استخدام أدوات خارجية.
7. توقيع تعهدات أخلاقية، وتضمين الوعي الأكاديمي في الثقافة الطلابية من خلال الندوات والمقررات.
ثانياً: تطوير السياسات والمناهج :
بدلًا من خوض معركة خاسرة ضد الذكاء الاصطناعي، يجب على الجامعات أن :
• تحدث سياساتها الأكاديمية لتشمل تعريفات دقيقة للانتحال في عصر الذكاء الاصطناعي.
• تدمج الذكاء الاصطناعي بشكل تربوي، بحيث يُستخدم كأداة تعلم لا كوسيلة غش.
• تعيد تصميم آليات التقييم، بالتركيز على المشاريع التطبيقية، والعروض الشفهية، والمناقشات، والاختبارات في القاعات.
بين التحدي والفرصة :
ما تواجهه الجامعات اليوم ليس مجرد أزمة، بل هو لحظة تحول كبرى. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فرصة لتعزيز جودة التعليم، لكنه قد يتحول إلى تهديد إذا تُرك دون توجيه. ولذلك، فإن الحل لا يكمن في حظر التكنولوجيا، بل في تبني أخلاقيات جديدة، وتطوير أدوات تعليمية وتقييمية تواكب الواقع الجديد.
فالجامعات التي ستنجح في المستقبل، ليست هي التي تتجاهل الذكاء الاصطناعي، بل تلك التي تُحسن استيعابه وتطويعه في خدمة العلم والطالب.