في زمنٍ تتنازع فيه الأصوات بين الحقيقة والتضليل، وبين العقل والشعبوية، نوجّه أنظارنا نحو تلك القوة العظمى التي لا تزال تؤثّر في مصير العالم: الولايات المتحدة الأمريكية.
لكننا لا ننظر إلى أمريكا باعتبارها فقط خزّان قوة عسكرية واقتصادية، بل نرجو أن نستعيد صورة أمريكا الأخلاقية—تلك التي بشّرت بالديمقراطية، وتحدّثت عن الحرية، وأسّست خطاب الحقوق المدنية.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نعوّل على صوت الضمير داخل المجتمع الأمريكي. نعوّل على المثقف، على الصحفي، على القاضي المستقل، على المواطن الواعي… أن يقول كلمته، ويُعيد التوازن، ويواجه الموجة التي يُمثّلها دونالد ترامب—بما تحمله من غطرسة، وكذب، وخطاب كراهية، وازدراء للأخلاق السياسية.
ما بين ترامب وأمريكا الحقيقية
ترامب ليس ظاهرة سياسية عابرة، بل اختبار قيمي عميق داخل المجتمع الأمريكي. هو مرآة تعكس هشاشة الوعي أحيانًا، وجرأة التطرف حين يجد من يصفق له. لكن في المقابل، يقف ملايين الأمريكيين ممن لا يقبلون أن يُختطف بلدهم باسم "العظمة"، فيُفرَّغ من مبادئه، ويُشوَّه وجهه أمام العالم.
لقد رأينا ذلك الصوت الأخلاقي حين خرجت مظاهرات ضد الكراهية، وضد حظر المسلمين، وضد تمجيد العنف، وضد خداع الشعوب. رأينا محاكمًا تحدّت الرئيس، وصحافة فضحت كذبه، وطلابًا رفعوا شعارات ضد العنصرية.
لا نطلب من أمريكا أن تكون كاملة، بل نطلب منها أن تكون وفية لما تدّعيه. نطلب منها أن لا تبرر الكذب بالواقعية، ولا تشرعن القصف باسم المصالح، ولا تُطبع السلوكيات غير الأخلاقية باسم "النجاح السياسي".
نحن لا نخشى ترامب وحده، بل نخشى أن يُصبح الكذب والازدراء والخداع هو النموذج المربح في السياسة.
أمام أمريكا اليوم مفترق طرق: إما أن تنتصر للقيم التي قامت عليها، أو تسقط في هاوية الزيف والتطرف.
ولن يُسقط ترامب إلا صوت الأمريكيين العقلاء، من داخل صناديق الاقتراع، ومن فوق منصات الإعلام، ومن قلب الجامعات، ومن أعماق الكنائس والمساجد والمعابد التي تعلّم أن الأخلاق ليست خيارًا سياسيًا، بل أساس إنساني لا غنى عنه