facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صراع المرجعيات في الحرب الأخيرة


أ.د سلطان المعاني
23-06-2025 10:49 AM

صراع مرجعيات الأنساق الثقافية وانعكاساته على الحالة الواقعية يتجلّى بصورة واضحة في المواجهة القائمة بين إيران من جهة، والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، حيث تتجاوز حالةُ الصراع حدود المصالح الاستراتيجية والسياسية، لتتجذر في عُمق التباين المرجعي الثقافي، وما يترتب عليه من تصورات متعارضة للهوية، والأيديولوجيا، ومفاهيم الهيمنة والشرعية، ورؤية العالم وموقع الذات فيه.

تنطلق إيران في مرجعيتها الثقافية من نسقٍ فكري ثيولوجي (ديني)، مستندٍ إلى مفهوم ولاية الفقيه، ومنظومة قيمية تنظر إلى وجودها السياسي والاجتماعي بوصفه تجسيدًا لمهمة دينية تاريخية، تحمل بُعدًا رساليًا ممتزجًا بخطاب الهوية الإسلامية الشيعية، الذي يضع إيران في موقع المُقاوِم للهيمنة الغربية عامة، وللهيمنة الإسرائيلية والأمريكية تحديدًا. وفي ظلّ هذه المرجعية، تُقدِّم إيران ذاتها كقوّة مناهضة للاستكبار، حيث تتحوّل كل مواجهة مع الخصم إلى معركةٍ قيمية أخلاقية تتجاوز أبعادها السياسية لتُصبح جزءًا من خطابٍ ثقافي عميق يُجذِّر حالة المقاومة والصمود.

في المقابل، تنبثق المرجعية الثقافية الإسرائيلية من تداخل بين البنية القومية الصهيونية التي تأسست على مفهوم «الشعب المختار» والعودة إلى «أرض الميعاد»، وبين النسق الغربي الديمقراطي العلماني الذي ينظر إلى إسرائيل كامتدادٍ للحضارة الغربية في الشرق الأوسط، وحارسٍ لقيم الديمقراطية الغربية في المنطقة. وتستعين إسرائيل في مشروعيتها، من الناحية الثقافية، بذاكرة تاريخية تُشكِّل فيها أحداث مثل «الهولوكوست» مكونات أساسية في تشكيل وعي جمعي يعتمد الخوف من الإبادة والهلاك مبررًا للسياسات الاستباقية والعسكرية، التي تجسّدت في مفهوم «الأمن المطلق».

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فمرجعيتها الثقافية في هذا الصراع تُعبِّر عن مزيجٍ معقّدٍ من قيم الديمقراطية الليبرالية، والمصالح الإمبريالية، ورؤية العالم من منظورٍ مركزيّ يجعل القيم الغربية معيارًا كونيًا للشرعية السياسية والاجتماعية، ما يُسفر عن تصنيف الدول ضمن ثنائية «الخير والشر»، وهو ما عبَّر عنه بوضوح مفهوم «محور الشر» الذي وُضعت فيه إيران إلى جانب دول أخرى. هذه المرجعية الثقافية الأمريكية تُرسِّخ صورة إيران كتهديد حضاري وليس سياسيًا فقط، ما يُعزز صدام المرجعيات ويعمّقه، ويُؤسّس لاستراتيجيات تتجاوز الجوانب العسكرية والاقتصادية لتشمل الثقافة والإعلام والنظام القيمي.

ومن انعكاسات هذا الصراع الثقافي المرجعي، تحوّل الصدام بين إيران وإسرائيل وأمريكا إلى صراعٍ متعدد الطبقات، إذ بات يتجاوز حدود الخلافات السياسية المباشرة حول النووي الإيراني أو التوسع الإسرائيلي أو الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ليتعمّق في بُنية السرديات المتضاربة، والخطابات الأيديولوجية التي تستخدم التاريخ والدين كأدواتٍ لتعزيز الشرعية وتحقيق السيطرة الرمزية.

ولذلك، فإن الأثر الواقعي لهذا الصراع المرجعي الثقافي يظهر جليًا في التوتّرات المستمرّة التي تُهدّد الاستقرار الإقليمي، وتُصعِّد من احتمالات المواجهة العسكرية، إضافةً إلى تأجيج النزعات الطائفية، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية على أساسٍ ثقافي وقيمي وليس فقط على أسسٍ مصلحية أو سياسية صرفة.

في ضوء ذلك، فإن إدارة الصراع أو محاولة احتوائه تتطلّب إدراكًا عميقًا لهذه الأبعاد الثقافية المرجعية، والتعامل معها وفق منطق التفاوض والتفاعل الثقافي والسياسي وليس بمنطق الإلغاء أو الإقصاء، وهو ما لم يتحقق بعد، في ظل استمرار هيمنة منطق الصدام المرجعي الذي يعمِّق حالة عدم الاستقرار، ويفتح الأفق لمزيدٍ من التعقيدات والمخاطر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :