عندما يطغى "الانفلات" على القيم والشرائع
د.اكرم مساعدة
23-06-2025 01:02 PM
ليس غريباً أن يحظى جلالة الملك بعبارات الترحيب والتفخيم والتقدير من رئيسة البرلمان الأوروبي التي قدمت بها جلالته لإلقاء خطابه امام البرلمان، لأنهم يعرفون جميعاً مواقف جلالته المقدّرة دائماً.
فمن المعروف عن جلالة الملك الاعتدال والانصاف في كل ما يقوله بغض النظر عن الجهة التي يوجه لها الخطاب، فهو نهج اختطّه جلالته ورثه عن جلالة المرحوم الحسين بن طلال.
لا أحب وليس من عادتي الكتابة في الشأن السياسي، لكن ما شدني في خطاب جلالته المفهوم الجديد الذي أورده ولم يسمعه العالم من قبل، وهو "الانفلات". فما هو الانفلات الذي عناه جلالته؟؟ ومن هو المعني بالانفلات؟ وما هي مظاهر الانفلات التي تطرق اليها جلالته، وسأقتبس العناوين وأجتهد في التفسير.
الانفلات بالمعنى الذي استقيته من خطاب جلالة الملك " هو الخلط ما بين العدل والظلم واعتناق مفاهيم مجانبة لمبادئ الحق والمساواة " وبالتالي فإن ما يحدث الآن وعلى المستوى الدولي عدم وجود فارق بين المشروع واللامشروع والإنساني والهمجي والخير والشر.
ولكن من هو المعني بالانفلات؟؟ هنا ودون مواربة هي إسرائيل فجلالته أشار الى الممارسات التي تظهر على شكل انفلات وكلها صادرة عن هذه الدولة وامام اعين العالم اجمع ولا يختلف عليها عاقلان منصفان.
لم يُبقِ جلالته مظهراً ولا مسلكاً ولا مخالفة ولا جريمة ارتكبتها إسرائيل الا واوردها في خطابه، فبدءاً من الإشارة الى الاضطرابات التي أصبحت السمة السائدة في المنطقة وبما يترتب عليها من تداعيات وانعكاسات ترتكبها إسرائيل تخطيطاً وتنفيذاً، فقد أصبحت عقيدة إسرائيلية، ونهج دولة تبني عليها مخططاتها المستقبلية بما يرافقها من قتل وتشريد وتجويع وتوسع على حساب دول الجوار.
واما ان تكون المبادئ الراقية والقيم السامية والاعتدال موضع الشك، فهذا مظهر يخلّ بموازين الحياة البشرية وامن المجتمعات، بمعنى انه اذا تخلى المجتمع الدولي عن هذه القيم فإن ذلك يعني التعدي على الاتفاقات والمعاهدات والقوانين السائدة مهما كانت درجتها ونوعها، فخرق هذه القيم يعني كذلك العصف بكل نوازع الخير وما تفرضه الشرائع السماوية والوضعية والعودة الى شريعة الغاب والهمجية. وفي هذا الصدد فقد أشار جلالته الى ما وصلت اليه الأوضاع الدولية من انحدار أخلاقي وبلغة صريحة، بمعنى حضّ البرلمان الأوروبي – المعنيين في الخطاب – على الضغط على إسرائيل للعودة لقيم الإنسانية والانصياع لقواعد القانون الدولي والكف عن القتل والهجوم على المرافق الصحية وتجويع الأطفال الذي تذيقه لأهل غزة وفلسطين في كل يوم.
خطاب جلالته كان رسالة واضحة خاطب فيها العقلية الأوروبية مضمونها أن الشعب الفلسطيني لَحِقَهُ ويَلْحِقْ به ظلم كبير، وانه كغيره من الشعوب يستحق الحرية والحياة، ولا يجوز هدم الحدود والضوابط الإنسانية كظاهرة تتعامل فيها إسرائيل مع هذا الشعب، وأن على البرلمانيين الأوروبيين العمل على منع هذه الظاهرة انصافاً لهذا الشعب.
السلوك الوحشي الذي تطرق اليه جلالته، يشير يقيناً وبكل وضوح الى الاعتداءات الإسرائيلية شرقاً وغرباً والتي لم يسلم منها لا أعزل ولا بريء ولا طفل ولا امرأة، بل وظهرت هذه النزعة العدوانية في الاعتداء الماثل الآن على إيران بما رافقه من خرق لأراضي واجواء الدول المجاورة، وبما يمكن ان ينتج عن هذا الاعتداء من انعكاسات سلبية على العالم اجمع.
هذا الخطاب من اوّله الى اخره الذي اتسّم بالحدّة والصراحة، كان سهاماً انطلقت في اتجاهين:
الأول: الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني ودعمه ونصرته في زمن تخلّى فيه الجميع عن هذا الشعب.
الثاني: التنبيه الى السلوك الاجرامي الذي تمارسه إسرائيل خرقاً للمبادئ والقيم الإنسانية، واعتداء وعصفاً بالقوانين والمواثيق الدولية وكذلك دعوة للأوروبيين والعالم لكبح جماح هذه الدولة.