مع اقتراب موعد الحسم .. من المنتصر ومن المنهزم؟
د. عبدالله الغراغير
24-06-2025 12:32 PM
* قراءة في الواقع بعد أسبوع دموي في الشرق الأوسط
مقدمة:
في ظل تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط، واحتدام الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، عاد مشهد الحرب الباردة إلى الواجهة، ولكن بنكهة جديدة وأدوات مختلفة. أسبوع دموي مضى، لم يكن مجرد تبادل للضربات، بل فصلًا جديدًا من فصول إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
اللاعبون كثر، لكن المسرح واحد، والضحية – كالعادة – الشعوب التي تدفع ثمن القرارات الكبرى.
في هذا السياق، تُطرح تساؤلات مشروعة:
من الرابح؟ من الخاسر؟
هل ما يجري هو بداية نهاية مشروع سياسي، أم انطلاقة لمعادلة جديدة تُكتب خارج الميادين العسكرية؟
وهل ستقبل إيران بتغيير دورها التاريخي، أم أنها ستستمر في اللعب على حافة الهاوية؟
هذا المقال يحاول قراءة المشهد بعين استراتيجية، ويقدّم تحليلًا معمّقًا لواقع ما بعد الضربة الأمريكية… حيث الخيارات تضيق، والأثمان تتضاعف، والمستقبل يُرسم بأدوات غير مرئية.
خيارات إيران بعد الضربة الأمريكية: أحلاهما مرّ
بعد أسبوع من التوتر والتصعيد، تقف إيران أمام مفترق طرق مصيري. خياراتها محدودة، ونتائجها قاسية.
الخيار الأول: الخضوع الكامل
الخيار الأول أن تُعلن إيران الاستسلام الكامل، وتخضع لإملاءات الغرب، فتتحول إلى دولة منخرطة بلا أطماع سياسية توسعية. يتم تقليم أذرعها المنتشرة في العالم العربي، وتُنهي أي تهديد تزعم أنه موجه لـ”وجودية الكيان”.
في هذا السيناريو، تكون إيران قد قبلت بـ”سلام بلا خيول”، كما وصف الزير سالم صلح تغلب وبكر لإنهاء حرب البسوس بعد عشرين عامًا من القتال. لكنه خيار لا ينسجم مع طبيعة العقل الفارسي الذي يحمل كبرياء ابن كسرى وإرث الإمبراطورية.
الخيار الثاني: الانتحار العسكري
الخيار الثاني هو الانتحار العسكري عبر حرب مدمرة تُفني فيها إيران كل ما تم بناؤه منذ عهد الخميني. وهو خيار غير منطقي، لأن طهران حريصة على الحفاظ على إرث حضاري يمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
السيناريو الثالث: مسرحية تراجيدية بدور أمريكي
في لحظة صمت بين الخيارين، تدخل الولايات المتحدة لتعيد توزيع الأدوار. تقوم بدور “شرطي الأرض” ومخرج المسرحية التراجيدية، عبر ضربة دقيقة “دُبّرت بليل”، كما في المثل الشعبي.
الهدف؟ ضرب عصفورين بحجر:
• إرضاء غرور الكيان الوهمي عبر استعراض قوة يردع كل من يفكر في الاقتراب من زعامة العالم أحادي القطبية.
• وإرسال رسالة واضحة مفادها: أمريكا ما زالت تمسك بزمام القيادة العالمية.
في المقابل، يأتي الرد الإيراني منسقًا مسبقًا، هزيلًا ومدروسًا، يقتصر على قصف قواعد أمريكية فارغة في الخليج، دون خسائر تُذكر، فقط لحفظ ماء الوجه أمام الداخل الإيراني والرأي العام.
طاولة الحوار: لا منتصر ولا مهزوم
وهكذا تبدأ الجولة الجديدة: حوار بلا غالب ولا مغلوب.
طاولة تفاوض تُقام على أنقاض التصعيد، وتُمهّد لمشروع جديد يرسم قواعد اللعبة القادمة، هذه المرة دون صواريخ ولا رصاص، بل عبر دهاليز السياسة وصفقات المصالح.
الكاسب الحقيقي: من يكتب التاريخ
في لعبة الكبار، من يكتب التاريخ ليس من أطلق الرصاصة، بل من رسم الحدود الاقتصادية والمعنوية.
النتائج بدأت تظهر على الأرض:
ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وتضخم ينهش جيوب المواطنين، سيكون أشد وطأة عليهم من وابل الصواريخ.
نحن أمام تغيير جيوسياسي عابر للحدود، لا يُغير ديمغرافيا السكان، لكنه يعيد رسم المشهد من جديد.
ومع بدء الهدنة، تنطلق حرب باردة جديدة، أكثر صمتًا، لكنها أكثر إيلامًا، وتحمل في طياتها مفاجآت قاسية.
خاتمة:
في صراع بلا نهاية واضحة، تبقى الشعوب وقودًا للمواجهات، وتظل الحقيقة الوحيدة أن الشرق الأوسط لا يهدأ، بل يُعاد تشكيله باستمرار، ومن لا يملك القرار سيُفرض عليه الدور.
وما بعد الضربة، ليس كما قبلها.