facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تحية رمزية


د. صالح سليم الحموري
25-06-2025 01:46 AM

في عالمٍ تُقصف فيه المدن وتُستباح فيه السيادة، لم يعد استخدام القوة بحاجة إلى مبررات، بل يكفي أن تُختزل الكارثة في عبارة... مثلما فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عندما وصف الغارة الإسرائيلية الأخيرة على إيران بـ"التحية الرمزية".

تصريح كهذا لا يُمكن أن يُفهم إلا بوصفه نموذجًا "فجًّا" لاختزال العدوان في جملة "علاقات عامة". أن تتحول الطائرات المقاتلة التي تعبر الأجواء وتقصف أهدافًا داخل دولة ذات سيادة إلى "تحية"، فهذه ليست فقط إهانة للمنطق، بل تسخيفٌ متعمّدٌ لحقائق الحرب والقانون الدولي.

في اللغة السياسية، الكلمات ليست مجرد أدوات تعبير، بل سلاح ناعم يُعاد به تشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام. لكن حين تختلط "التحية" بالقنابل، يصبح السؤال مشروعًا:
•هل باتت الحروب الحديثة مجرد رسائل رمزية؟ وهل تحوّلت دماء البشر إلى وسيلة إيصال رأي سياسي أو رسالة انتخابية؟

ما حدث ليس مجرد تجاوزٍ لفظي. إنه اعتراف ضمني بمنطق "العقاب الوقائي"، والتعامل مع دول العالم وكأنها ساحات مفتوحة لـ"الردع الرمزي"، دون الحاجة إلى حروب كاملة، أو إعلانات رسمية، أو مساءلة قانونية.

"ترامب" لم يكن يومًا أسيرًا للدبلوماسية الكلاسيكية. يتحدث كأنه في "صفقة عقارية"، لا في مسرح جيوسياسي يتطلب الحذر والاتزان. "التحية الرمزية" تعني، وفق منطقه، أن القصف كان رسالة بلا نية للتصعيد الكامل — نوع من الضربات التي تُربك الخصم ولا تستفز العالم.

لكن، ماذا لو كان هذا الخصم يمتلك أدوات ردع مماثلة؟
ماذا لو قررت "الدول الأخرى" الرد بـ"تحية رمزية" أيضًا؟
هل سيتحوّل الشرق الأوسط إلى معرض تبادل تحيات بالصواريخ؟

من المؤسف أن هذه "التحية" لم تمر عبر مجلس الأمن، ولم تُدان من قبل منظمات دولية، بل حظيت بتبرير ضمني من قوى غربية تدّعي الدفاع عن القانون الدولي. وكأن العالم يتقبّل فكرة أن هناك دولًا مسموح لها بإرسال القنابل كرسائل، وأخرى ممنوعة حتى من الدفاع عن نفسها.

في النهاية، لا يمكن اعتبار القصف "تحية"، إلا في عالم خالٍ من القيم، مملوء بالنفاق السياسي. لا تُرسل الطائرات لتحيي… بل لتُرعب، وتُدمّر، وتُرسل رسالة مفادها: "نحن فوق القانون".

على العالم أن يُدرك خطورة تحويل المعارك إلى رموز، والقتل إلى مجاز، والسياسة إلى تهريج.

فالتحيات تُقال بالكلمات… لا بالصواريخ.
وهنا يطفو السؤال الذي يجب أن يُقال بصوت مرتفع:
•أحقًا دخلنا زمن السخافة والانحطاط السياسي؟

زمنٌ يُقتَل فيه الأبرياء تحت عناوين براقة، وتُرتكب الجرائم بثياب المجاملة الدبلوماسية؟ إن كان الأمر كذلك، فنحن لا نعيش أزمة نظام دولي فحسب، بل كارثة وعي. العالم اليوم بحاجة إلى نهضة ضمير، إلى إعادة "ضبط المصنع الإنساني"، حيث تُصاغ الكرامة من جديد، ويُكسَر صمت العالم على عبث الأقوياء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :