بين وعد الآخرة ونبوءة هرمجدون .. زوال الكيان بات قريبا
د. هاني العدوان
26-06-2025 03:10 PM
الكيان الصهيوني لم يكن نبتا بريا في صحراء التاريخ، بل كان ثمرة مشروع غربي طويل الأمد، تغذى على صراعات القرون، وتكامل مع مصالح الاستعمار الحديث، منذ أن وضعت القوى الكبرى أوزارها بعد الحربين العالميتين، كان هذا الكيان أشبه بطفل أنبوب، احتضنته الغرف المغلقة للسياسة، وأمدته الأنظمة الغربية بكل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي، ليكون خنجرا مزروعا في قلب الأمة، وحارسا أمينا لمصالحها، ومع كل ذلك، لم يستطع أن يتحول إلى كيان طبيعي، بل ظل غريبا عن المكان، طارئا على التاريخ، محاطا بأسوار الرعب، لا يثق إلا في سلاحه، ولا ينام إلا على قلق
تجربة التاريخ تُعلم أن الكيانات المصنوعة لا تدوم، وأن النظم التي تقوم على القهر والاستقواء الخارجي تبدأ متماسكة وتنتهي ممزقة، هكذا سقطت الكيانات الصليبية في بلاد الشام، وهكذا انهارت أنظمة الفصل العنصري، وهكذا تهاوت أنظمة عميلة رغم الحماية التي ظنها أصحابها أبدية، ذات المسار يبدو أن الكيان يسلكه اليوم، خطوة بعد أخرى، وتآكله الداخلي أصبح أسرع من تجديد بشرته الخارجية
النصوص الدينية، التقت عند مشهد الزوال، في سورة الإسراء إشارات قرآنية صريحة إلى مرحلتين من الإفساد لبني إسرائيل، الثانية منهما تنتهي بوعد إلهي يتضمن إذلالا وتدميرا كاملا لما بلغوه من علو، ما يلفت أن هذه النهاية ليست بيد قوى عظمى ولا بأجهزة دول، بل على يد عباد لله أُولي بأس شديد، التوراة نفسها، رغم تحريفها، لم تخل من إشارات إلى أن الأرض المقدسة لا تعطى لبني إسرائيل إلا بشروط الطاعة، وأنهم إن خالفوا، فإن الأرض تلفظهم، أما في الرؤية الإنجيلية، فإن معركة هرمجدون هي ذروة الصراع بين قوى الشر والخير في الأرض، وفيها فناء واسع لا يبقي حضارة على حالها
أما المشهد السياسي فيتسارع نحو نقطة الانفجار، الولايات المتحدة، الراعي الأكبر للكيان مثقلة بأعباء الانقسام الداخلي، والإرهاق الاقتصادي، والتوسع العسكري غير المستدام، أوروبا تهتز تحت أقدام اليمين المتطرف، وتغلي شوارعها غضبا من مجازر غزة، روسيا تملأ الفراغ، والصين تبني النفوذ، وإيران فرضت نفسها بثبات وسط العاصفة، العرب بات وعيهم الجمعي يشهد تصاعدا غير مسبوق، وتتولد تحت الرماد إرادة لا تكسر
في هذا السياق، يصبح السؤال عن الأسلحة النووية أكثر إلحاحا، الكيان يمتلك ما يزيد على مئتي رأس نووي، لكن التوازن لم يعد في الرؤوس فقط، بل في الإرادة، التاريخ يؤكد أن امتلاك السلاح لا يضمن النجاة إذا غاب الردع المعنوي، وتلاشت الهيبة، نحن أمام مشهد رمادي مفتوح على احتمالات ثلاث، حرب شاملة تسبق الزوال، انهيار داخلي ناعم كما حدث للاتحاد السوفييتي، أو صدام كوني يطوي النظام الدولي كله، وتكون نهاية الكيان واحدة من إفرازاته
سيناريوهات الزوال تتعدد، لكن خطوطها الكبرى بدأت ترتسم، الانقسام الداخلي بلغ حدا غير مسبوق، الهوية الصهيونية تتمزق بين علمانية دموية وتطرف توراتي، الشباب يرفضون القتال، والثقة بالجيش تتآكل، في المقابل، قوى المقاومة لم تعد تطرق الأبواب، بل تقتحمها، ومن خلفها طوفان شعبي عربي وإسلامي يتنامى، التحولات العالمية تهدد استمرار الدعم الغربي، فيما الأزمات المتدحرجة قد تجبر أمريكا على فك ارتباطها بالمنطقة، تاركة الكيان عاريا، مكشوفا، فريسة لغضب مؤجل، وإذا كان هناك من يتحدث عن هرمجدون كمعركة فاصلة، فكل المؤشرات تشير إلى أننا نقترب من عتبتها، وكل الإشارات تنذر بأن الكيان سيكون في قلب الإعصار
وهنا يتبدى السؤال الكبير، هل اقترب الزوال، الجواب ليس في الشعارات، بل في الحسابات، كل المؤشرات تتجمع في اتجاه واحد، الكيان يفقد شرعيته الدولية، يضعف رادعه الداخلي، تتسع الفجوة بين شعبه وجيشه، وتزداد العزلة حتى من أقرب حلفائه، المقاومة تشتد، والتوازن الدولي يتغير، والأفق مسدود، الزمن بدأ يعمل ضده، وقد يكون الجيل الذي شهد ولادته هو ذاته من سيشهد أفوله
لم يقم هذا الكيان بقوة ذاته، بل بإرادة قوى استعمارية أرادت له أن يكون رمحها المسموم، واليوم وهو يترنح، فإن نهايته لن تكون خيالا ولا أمنية، بل سنة من سنن التاريخ، لكن السؤال الأهم ليس عن سقوطه، بل عما بعده، هل نملك نحن مشروعا بديلا، أم نكتفي بالتصفيق لإنهياره ونترك الأرض لمن يرثها بغير حق، نهاية الكيان قد تكون قريبة، ولكن فجر الأمة لن يبزغ ما لم تكن جاهزة لتحمل النور
* باحث وكاتب سياسي