انقطاع الغاز .. التحديات والدروس
م. عبدالفتاح الدرادكة
26-06-2025 07:05 PM
شهد الأردن في 13 حزيران 2025 واحدة من أبرز الأزمات التي تعرّض لها قطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت بانقطاع الغاز الطبيعي القادم من شرق البحر المتوسط، والذي انعكس بشكل مباشر على كلفة إنتاج الكهرباء، وأثار العديد من التساؤلات حول مدى جاهزية النظام الكهربائي الوطني لمواجهة مثل هذه التحديات.
رغم التقدم المحرز في تنويع مصادر الطاقة، إلا أن هذه الأزمة جاءت لتؤكد الحاجة المُلِحّة إلى تعزيز أمن التزود بالطاقة، وإعادة تقييم البنية التحتية الحالية، والتسريع بتنفيذ المشاريع الاستراتيجية. وللاستفادة القصوى من نتائج هذا الحدث لا بد من تسليط الضوء على أبعاد هذه الأزمة، واستعراض الدروس المستخلصة منها، إلى جانب تقديم مجموعة من التوصيات لضمان استدامة اداء النظام بالشكل المتميز وسلامة واستدامة واستمرارية التزويد بالتيار الكهربائي
جاءت هذه الأزمة في وقت حرج، حيث كانت الباخرة العائمة الخاصة بتخزين وتغييز الغاز الطبيعي المسال (FSRU)، والتي تعتمد عليها المملكة منذ عام 2015، قد غادرت المياه الأردنية بعد انتهاء عقد استئجارها. وكانت هذه الباخرة تُمثل ركيزة أساسية في استقبال شحنات الغاز المسال وإعادة تحويلها إلى الحالة الغازية لتغذية محطات الكهرباء وذلك قبل سريان اتفاقية الغاز مع شركة نوبل حيث اصبحت بعد ذلك ومنذ عام 2020 تمثل احتياطيا استرتيجيا لانقطاع الغاز من شرق البحر المتوسط ولغاية تاريخ انتهاء عقدها هذا العام.
في المقابل، يجري العمل حالياً على استئجار باخرة بديلة بنظام التأجير التمويلي لمدة عشر سنوات، بحيث تنتقل ملكيتها لاحقاً للحكومة. وفي الوقت ذاته، يتم إنشاء وحدة تغييز شاطئية في ميناء العقبة، من المقرر الانتهاء منها في عام 2026، لتكون البنية التحتية الأساسية الدائمة لاستقبال الغاز المسال.
لكن غياب الباخرة الأولى قبل جاهزية البديلة والوحدة الشاطئية، خلق فجوة حرجة في سلسلة التوريد، ما ساهم في حدوث هذه الأزمة، بالتزامن مع انقطاع الغاز المستورد من البحر المتوسط
بحسب التقديرات الرسمية، أدى انقطاع الغاز إلى زيادة الكلف اليومية لإنتاج الكهرباء بمعدل 1.8 مليون دينار، رغم الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من الأثر، مثل استيراد نحو 100 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز المصري، في وقت تُعاني فيه مصر نفسها من شح الغاز المحلي.
وقد لعبت الطاقة المتجددة دوراً كبيراً في امتصاص حدة الأزمة، حيث بلغت مساهمتها نحو 27% من إجمالي توليد الكهرباء، إضافة إلى 16% من الصخر الزيتي. هذا التنوع في المصادر أسهم في تجنّب تكرار السيناريو الكارثي لعام 2011، حين انقطع الغاز المصري وكانت مساهمته تفوق 80%، ما أجبر المملكة على استخدام الديزل والوقود الثقيل، بكلفة تجاوزت عشرة أضعاف كلفة الغاز، مما تسبب حينها في خسائر يومية بلغت 4 ملايين دينار، وتراكم ديون وصلت إلى 4.75 مليار دينار في نهاية عام 2015.
هذه الأزمة كشفت عن نقاط ضعف لا يمكن تجاهلها، وأظهرت في الوقت ذاته أهمية الاستمرار في إصلاحات قطاع الطاقة. ومن أبرز الدروس المستفادة:
-أهمية التخطيط المسبق لمرحلة انتقالية بين مغادرة الباخرة العائمة ASKEMO ووصول الباخرة الجديدة والتي ستستعمل كخزان للغاز المسال واستكمال وحدة التغييز الشاطئية.
-قيمة التنوع في مصادر الطاقة، والذي لعب دوراً حاسماً في تقليل الأثر المالي والفني للأزمة.
_ضرورة وجود احتياطي تشغيلي دائم من الوقود البديل (ديزل وزيت وقود ثقيل) في محطات التوليد ومرافق الشركة اللوجستية.
-أهمية الربط الكهربائي الإقليمي، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية التي تمتلك قدرة إنتاجية هائلة يمكن أن تساند الأردن في حالات الطوارئ.
بناءً على تحليل ما حدث، فإن تحسين أمن التزود بالطاقة يتطلب تبني حزمة من الإجراءات الاستراتيجية، منها:
- الإسراع في جلب الباخرة الجديدة بنظام التأجير التمويلي وتنفيذ عقدها بما يضمن استعمالها الذي يفترض ان يتزامن مع بناء وحدة التغييز الشاطئية في العقبة والمطلوب تسريع إنجازها وتوفير الموارد اللازمة لإنهائها في موعدها المحدد دون تأخير.
- تسريع المفاوضات والخطوات اللازمة لاتمام مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، بما يتيح تبادل الطاقة الكهربائية واستيرادها عند الحاجة، خاصة في أوقات الذروة أو الطوارئ.
-تعزيز مشاريع تخزين الكهرباء، سواء من خلال البطاريات أو التخزين الكهرومائي، للاستفادة من فائض الطاقة المتجددة عند توفره.
-توسيع الاعتماد على الطاقة المتجددة بعد ان يتم بناء مشاريع التخزين والهيدروجين الاخضر لما لذلك من اثر كبير في الاعتماد على المصادر المحلية للطاقة وتجنب تذبذبات الاسعار وتاثر سلاسل التوريد
في الختام لا يمكن إنكار أن وزارة الطاقة والثروة المعدنية، بالتعاون مع هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن وشركة الكهرباء الوطنية وشركات التوليد التي بذلت جهوداً كبيرة في إدارة هذه الأزمة، ونجحت إلى حد كبير في تقليل الأضرار المحتملة. ومع ذلك، فإن ما حدث يُعد إنذاراً مبكراً يحتم على صُنّاع القرار إعطاء أولوية قصوى لملف أمن الطاقة.
إن ضمان استمرارية التيار الكهربائي ليس مجرد شأن فني أو تقني، بل هو عنصر أساسي في الأمن الوطني والاقتصادي والاجتماعي. وكلما كانت الخطط الاستراتيجية أكثر شمولاً واستباقية، كلما تمكن الأردن من مواجهة التحديات بثقة وكفاءة.
وليحفظ الله الاردن ، والله من وراء القصد ..؟