ٱلْكَلِمَةُ تَرْجَمَة ٱلنَّفْسِ
آية عويدي العبادي
29-06-2025 10:29 PM
إنَّ الكلمة، وإن بدَتْ يسيرة المخرج، خفيفة الجري على اللِّسان، فإنها عظيمة الشأن، جليلة الأثر؛ بها يُعبر عن المعاني، وتُصاغ الأفكار، وتُبنى المعارف، وتُشيَّد الحضارات، فهي ترجمان القلب والعقل، وما الإنسان إلا فكر ناطق، وما الفكر إلا كلمة مهذبة، زانها العلم، وجملها المعنى، وسار بها العقل في مدارج البيان.
الكلمة هي أثر يُغرس، وسبب يُثمر؛ وفي الكلمة يُشكل الإنسان فكره وبيئته ومصيره، وتتصل بها ملامح تاريخه وحاضره، وما العلوم التي بين أيدينا اليوم، إلا ثمرة كلمات نُقلت ودُوّنت، فتراكمت بها المعارف، وانتظمت المدارك، ولو لم تُصغَ العلوم بالكلمة، لبقيت حبيسة الصدور، لا يبلغها من بعدهم أحد، ولا تستقيم بها حضارة.
وسلامة اللسان تترجم سلامة الفكر، والقلب، والضمير؛ فكم من كلمة مهذبة متوازنة حملت المعنى، ورسمت المسار! وما الكلمة إلا مستودع للتجربة، تصوغها الأفكار، وتغذيها الأسفار والمعارف، كما أن للعلم، والثقافة، والبيئة، أثرًا على رُقي الكلمة ووعيها؛ فالكلمة نتاج بيئة، والبيئة سيدة الثقافة.
أما السمع، فهو بوابة العقل، والعقل بوابة المعنى؛ حيث يستقبل الإنسان الأفكار من خلاله، فإما أن تُغذي الفكر، وتحدث فرقًا جليًّا في حياة الفرد، وإما أن ترهق النفس، وتحبط المرء، وتشغل العقل. لذا أكرم في كل شيء، إلا في سمعك ولسانك!.
ذلك لأن الكلمة إذا تحولت إلى فكرة، قد تضيق بها الرؤية، وتقل البصيرة؛ لا لأن الحياة ضيقة، بل لأن الإنسان علق نظره على زاوية واحدة منها، فالكلمات حين تُغرس في العقل، تتحول إلى مسارات فكرية متشنجة، تُقيّد الانتباه، وتشد المرء إلى وجهة واحدة، فيغفل عن اتساع الحياة، وعن جمال التنوع، وغنى التجربة.
لذلك، فإن مسؤولية الإنسان لا تقتصر على استقبال الكلمات، بل تتعداها إلى غربلتها، والتمييز بينها؛ فيختار ما يوسع أفقه، ويغذي عقله، لا ما يضيّق مداركه، حتى الأسماء كلمات، لكنها تحمل في طياتها ثقل صاحبها ومكانته.
وللكلمة وزن ثقيل عند من يعي معناها؛ فهي أداة بناء الإنسان، ومحرك تاريخه، وأعظم منجزاته، فكم من شاعر، ومفكر، ومبدع، سطر مجده بكلمة! وكم من حضارة حفرت الكلمة على جدران قلاعها، ونقشتها في ذاكرة الزمن! حيث لا تزال الجدران تروي حكايات الكلمات المنقوشة، وتحدث الزمان عن حضارة صيغت بالحرف والبيان.
إن للكلمة تاريخًا إنسانيًا عظيمًا، وأثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا؛ وهي تحتاج إلى وعي، وثقافة عالية، حتى تثمر؛ فالكلمات الطيبة تسهم في بناء النفس، وإثراء العقل، وتحسين جودة حياة الإنسان.