ما جرى في الشرق الأوسط: مسرحية أم تدارك موقف؟
م. مهند عباس حدادين
29-06-2025 11:59 PM
لقد شهد العالم هذا الشهر حربا إقليمية في منطقة الشرق الأوسط كادت تودي بالمنطقة إلى اللامجهول، حيث بدأت بهجوم فجائي قامت به إسرائيل على إيران بتنسيق أمريكي في ظل مفاوضات كانت تجرى على الطاولة بين الولايات المتحدة وإيران، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد أقنع الرئيس الأمريكي ترمب بهذه الضربة والتي ستؤدي إلى إنهيار المنظومة العسكرية الإيرانية ،لتذهب إيران بعدها إلى جولة المفاوضات الأمريكية مستسلمه لجميع المطالب وهي تدمير المنشآت النووية والبرنامج البالستي الصاروخي،لكن الأمور لم تكن كما خططت لها إسرائيل وحتى بدون خطة بديلة ،حيث إستفاقت إيران من تلك الضربة وبدأت بشن هجوم صاروخي بالستي إستنفذ الدفاعات الإسرائيلية خلال ال 12 يوما ،الى أن إستغاثت إسرائيل بالولايات المتحدة نتيجة لضراوة الضربات الإيرانية وشدتها المتزايدة يوما بعد يوم والخسارة التي تحققت ناهيك عن نفاذ الصواريخ الإعتراضية الإسرائيلية والتي تعترض الصواريخ البالستية الإيرانية والتي قدرت الفترة الزمنية بحدها الأقصى أسبوع للنفاذ، فالمهمة لم تتحقق لدى إسرائيل وأهمها القضاء على المنشآت النووية الإيرانية مما إستدعى الأمر تدخل الولايات المتحدة.
لقد قامت الولايات المتحدة على الأرجح قبل التدخل بعقد مشاورات خفية مع الإيرانيين والروس لأن الرسالة من إيران وصلت للولايات المتحدة بأنه إذا تدخلت ستتعرض جميع المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط الإقتصادية والعسكرية للخطر وهذا يعني دخول الولايات المتحدة في حرب طويلة مع إيران ،وسيخسر الجميع في تلك الحرب وخصوصا الولايات المتحدة حيث سيتم إستهداف جميع قواعدها العسكرية في المنطقة ويغلق مضيقين رئيسيين هما مضيق هرمز ومضيق وباب المندب ،وهذا سيشكل تحديات كبيرة للرئيس الأمريكي ترمب، وأصبح الأمر كابوسا لا يستطيع الخروج منه ،فماذا سيفعل في ظل توريط نتنياهو له ؟ .
هناك دائما الجبهة العسكرية والسياسية والإعلامية، فالجبهة العسكرية سيخسر فيها الجميع وخصوصا أن إيران لديها قوة صاروخية بالستية ،وعلى الجبهة السياسية كيف سيحفظ ترمب ماء الوجه للولايات المتحدة وخصوصا أنها تعهدت بالدفاع عن إسرائيل،وماذا عن الإعلام الغربي وإنتقاداته حيث ان شبح الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال تطارد الأمريكيين.
هنا كان لا بد من اللجوء الى مسرحية بلغة الشعوب او إتفاقية غير معلنة بلغة الدول، حيث قامت الولايات المتحدة على ما يبدو بالتنسيق مع روسيا وإيران مسبقا بالقيام بضربة للمفاعلات النووية الثلاثة بيوم واحد وبعدها ترد إيران على هذه الضربة ويتم بعدها إنهاء تلك الحرب ،والرجوع الى المربع الأول.
لتقييم الوضع بالنسبة لإيران إعتبرت نفسها منتصرة لأن مفاعلاتها النووية لم تدمر بشكل يمنعها من الإستمرار بالتخصيب، حيث أن جميع المفاعلات وادوات الطرد المركزية المتقدمة IR6 جميعها داخل المفاعلات الحقيقية تحت الجبال بأعماق تتراوح من 100 الى 400 متر ،فما تم قصفه ب30 طن بالقاذفات B2 من قنابل GBU-57 على الثلاثة مفاعلات و30 صاروخ توماهوك دمر المفاعلات السطحية القديمة وتحتاج الولايات المتحدة الى أسابيع من الضربات المتتالية لتدمير تلك المفاعلات التي تقبع تحت الجبال ،إضافة الى أن إيران تمكنت من تهريب 400 كغم من اليورانيوم المخصب والذي وصل نسبة التخصيب فيه الى 60%، ناهيك ان إيران هي من أنهت الحرب على إسرائيل بضربتها الأخيرة الموجعة، إضافة الى ضرب القاعدة الأمريكية في قطر.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد خرج الرئيس الأمريكي ترمب على الإعلام بطلا لهذه الحرب بإيقافها بالضربة القاضية بتدمير المفاعلات الإيرانية الثلاث وهي نطنز وأصفهان وفوردو وأنه أعاد البرنامج النووي الإيراني الى الوراء عقودا ،دون إعطاء فرصة لأي جهة للتحقق من ذلك،ووقف على نفس المسافة من إسرائيل وإيران بالتعبير عن هذه الحرب لدعم سريته وإتفاقه المسبق أمام إيران وروسيا لوقف الحرب.
بالنسبة لإسرائيل لم تحقق المطلوب من الضربة الأولى رغم تعويلها على التكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها من ذكاء إصطناعي وحرب سيبرانية ومن عملائها داخل إيران ومن إغتيالاتها للقادة العسكريين والعلماء،حيث ضاع سلاحها الجوي داخل الأراضي الإيرانية الشاسعة والأهداف الكبيرة والتي أرهقت طائراتها،فلم يكن الحسم خلال أيام،وزاد الضغط عليها بنفاذ الصواريخ من منظوماتها الدفاعية ناهيك عن الخسائر التي تعرضت لها نتيجة الهجوم البالستي الإيراني، وليس ذلك فحسب لقد جاء تدخل الولايات المتحدة تدخلا خجولا بغير المتوقع من القيادة الإسرائيلية والتي أرادت جر الولايات المتحدة بحرب طويلة في المنطقة ،حيث أراد نتنياهو من هذا التوريط بعد فشله في حرب غزة بإستعادة الإسرى أن يدمر المنشآت النووية بالكامل ليبقى في سدة الحكم لسنوات قادمة وليلغي جميع القضايا المرفوعة ضده.
ما هو الوضع الآن؟
أدرك الرئيس ترمب أن نتنياهو قد ورطه ويجب ألا يورطه مرة أخرى وأدرك أن سبب توريطه هو المحاكمات في الداخل التي ستدين نتنياهو مما دفع بالرئيس ترمب في المحاولة للتدخل في إنهاء محاكمات نتنياهو خشية من أن يورطه في المستقبل بأي حرب غير محسوبة.
إن ما يعني الولايات المتحدة برئاسة ترمب هو إنهاء الحروب في العالم والتي تشتبك فيها الولايات المتحدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للتفرغ للإقتصاد الأمريكي المنهك ،فالهم الأول بعد إيقاف حرب إسرائيل مع إيران هو إيقاف حرب غزة مقابل ضمان عدم محاكمة نتنياهو ،ليبدأ بعدها المخطط الأمريكي الإقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وخطواته الأولى التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بغض النظر عن البرنامج النووي الإيراني والذي لا يختلف عن البرنامج الباكستاني الدولة المجاورة لإيران، حيث يريد ترمب إعادة برمجة إيران بإدماجها إقتصاديا في المنطقة وهذا سيحقق الفائدة للطرفين، وسيحّيد ترمب إيران عن التحالف مع أي محور آخر وستكون بوابة العبور للتفرغ للصين في قادم الأيام.
أما بالنسبة لإسرائيل فهي تعيش بخوف من حيث رعب البرنامج النووي الإيراني الذي لا تعلم لغاية الآن ماذا يخبىء لها قادم الأيام، فهي تعلم أن الولايات المتحدة لن تضحي بكل مصالحها في المنطقة من أجل هذا التخوف.
لذلك فإن المرحلة القادمة ستشهد ضغطا إسرائيليا على الولايات المتحدة من أجل تجريد إيران من أي حقوق نووية سواء بالمفاوضات او التمكين العسكري، لكن إيران لن تفوت هذه الفرضة وتعلن بالقريب بأنها تمتلك صواريخ بالستية محملة باليورانيوم المشع من ذلك المخزون الذي تم إخفاءه، وذلك لردع إسرائيل من القيام بأي عملية عسكرية منفردة ضدها.
أما بالنسبة للمفاوضات الأمريكية الإيرانية سيحاول ترمب إغراء إيران برفع الحصار التدريجي عنها وإطلاق الأموال المجمدة ودعمها إقتصاديا والإستثمار الغربي دون تغيير النظام ،ويعرض عليها بالإتفاق مع روسيا بعمل مفاعلات نووية جديدة للأغراض السلمية ،وستعمل الولايات المتحدة بمساعدة روسيا بالسيطرة على ال 400 كغم من اليورانيوم المخصب، وكل ذلك ربما سيستغرق فترة زمنية تسود فيها حسن النية من الطرفين، فكل ما تريده إسرائيل لن يكون على حساب الولايات المتحدة فشعار ترمب :"أمريكا اولا"، وكذلك: " لنجعل أمريكا عظيمة من جديد".
* المهندس مهند عباس حدادين/مدير مركز جوبكينز للدراسات الإستراتيجية.