facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




جولة في جنبات الجنوب


د. صبري ربيحات
02-07-2025 09:55 AM

على إيقاع أغنية عمر العبداللات " على الطفيلة يا يمه على الطفيلة ..أنا ساري سروة يا يمه على الطفيلة..

وفي صباح الاثنين ٣٠ حزيران ٢٠٢٥ سعدت بمرافقة سعادة الصديق الدكتور محمد حسن البرغثي سفير دولة ليبيا الشقيقة السابق للأردن بمناسبة زيارته للمملكة ورغبتي في أن نستمتع معا في إعادة استكشاف سحر الأردن وتأمل معالمه التي تحكي قصة التاريخ والتراث والأحداث والجمال..

الدكتور البرغثي خدم بلاده لعقود وقد أمضى قرابة عقدين من الزمان ممثلا لبلاده لدى الأردن ونجح في توليد العلاقة بين ليبيا والأردن وأقام علاقات راسخة مع المئات من الأردنيين من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية والسياسية وحظي بتقدير واحترام كل من عرفه وانا أحدهم.

عرفت الدكتور البرغثي منذ أن انضممت إلى صفوف الحكومة قبل عقدين من الزمان وقد عرفته كأستاذ لعلم الاجتماع السياسي وكاتب ودبلوماسي ومفكر قومي عربي وشخصية تمتلك قدرة استثنائية على التواصل والتأثير وبيان أهمية الوعي في إحداث التغيير الذي تحتاج إليه الأمة والشعوب العربية وقد كان ولا يزال منحازا إلى فكرة توظيف العقل وأهمية التخطيط ونبذ الارتجال والغوغائية وفكرة التسلق ومحاولة الكسب بدون جهد جاد وعمل دؤوب.

في رحلة الاثنين التي رافقنا بها كل من الصديقين سلطان حميدي الفايز ومهدي زيد العون وتوليت خلالها مهمة قيادة السيارة ودور الدليل السياحي انطلقنا من غرب عمان عند التاسعة والنصف بعدما أجريت مراسم مختصرة لتعريف الأصدقاء ببعضهم وبعدما تحدثت للرفاق عن برنامج الرحلة واقترحت عليهم ثلاثة خيارات لمسارها وأوقات تقريبية للوقت الذي يمكن أن نقضيه في المحطات التي سنتوقف عندها وأقر الجميع بأنهم سيتركون القرار لي ويرحبون بأي اختيار سأقوم به .

الرحلة إلى الجنوب تمدني بطاقة وعاطفة وحماس لا يوصف ولا أعرف من أين تأتي العزيمة والدافعية وما أن قلت بأني محظوظ اليوم بمرافقة ثلاثة من أبناء البوادي العربية حتى بادر ضيفنا إلى تقديم أطروحة جميلة تحدث فيها عن العروبة ومفهومها واركيولوجيتها وشكلها ودلالاتها وتحدياتها … وعرج على مشكلات سوء الفهم الذي يدفع بعضنا إلى تسمية التخطيط الاستراتيجي بالمؤامرة ومطالبة بعضنا بالمراكز والامتيازات دون جهد أو عمل . لقد استمتعت بالإنصات واقتصرت مداخلاتي القليلة في لفت الأنظار إلى بعض معالم الطريق وجوانا التغيير.

تحدثت عن بركة تجميع المياه التي شيدها العثمانيون في زيزيا وكيف أنها كانت مقياساً لجودة أو تردي الموسم المطري . وتحدثنا عن المخيم المقام على أراضي الفايز وعن زراعة القمح ودور كل من البشارات وال أبو جابر في هذا النشاط الفلاحي الهام..

مررنا على بلدات ضبعة وسواقة والقطرانة وتحدثنا عن السكان في كل بلدة وقرية ومحطة . حدثتهم عن تجربتي مع البان ضبعة وأكياس اللبنة التي كانت تباع في المتجر الذي كانت تتوقف عنده مركبات الجنوب .

نبهني الدكتور البرغثي ونحن ندخل حدود القطرانة إلى أهمية خفض السرعة فأجبته لقد نسيت فأنا مستغرق في التفكير حول إذا ما كان مناسبا أن اتصل في الشاعر البدوي الكبير محمد فناطل الحجايا المقيم في بلدة السلطاني لأرى إذا ما كان بإمكانه استقبالنا لربع أو نصف ساعة والاستماع إلى بعض قصائده السياسية وقد رحب بنا كثيرا ....

رحلتنا التي قطعنا فيها مئات الأميال ومررنا على عشرات المواقع كانت أكثر من زيارة استمتاع بالتواصل مع الطبيعة الخلابة فوق أرض البلاد الغنية بالحب والخير والذكريات . لقد استحضرنا التاريخ ونحن نطالع الآثار وتحدثنا عن الشعراء ونحن نعبر طيات الجبال وتذوقنا شكل العيش في التضاريس الوعرة الحالمة ..

توقفنا في بلدة السلطاني لزيارة بيت الشاعر النبطي محمد فناطل الحجايا الذي يرسم أدق الصور الشعرية للواقع العربي والأحداث السياسية في هذا العالم المجنون . فقد برع الحجايا في نظم عشرات القصائد التي تلملم خيوط الأحداث العالمية والإقليمية المتشابكة ونسجها في لوحات فنية مليئة بالتفاصيل التي تحيط بالتناقضات كلها التي تعيشها الأمة مبينا خيبت آمال الشعوب وهي ترى بعض أبناء الأمة وهم يتنكرون لماضيها وبوالون أعداءها فتحسبه ناشطا حقوقيا أو خبيرا أمميا لا يأبه لمستقبل سياسي ولا يكترث إلا لإرضاء ضميره وترجمة روح إنسانية الحقة .

هذا البدوي العتيق ليذكرني بالعلماء والنساك الذين اعتزلوا في القرى والبلدات في أعوام الشدة وجلسوا ليتأملوا ما يحدث للأمة التي شُغلوا بهمومها من على وسائد مجالسهم .

في مدينة الطفيلة الصناعية توقفنا لبعض الوقت للحديث مع مديرها الأستاذ منير زريقات عن حركة الأعمال بعد تقديم رزمة الحوافز للمستثمرين.

تركناها متوجهين إلى الرشادية عبر طريق الحرير العين البيضاء مرورا بمقام الصحابي الحارث بن عمير الأزدي أول شهداء الإسلام على أرض جنوب الشام ووقفنا لبعض الوقت في سيل ريعا الواصل بين غرندل وبصيرا قبل تسلق السفح المؤدي الى بلدة الرشادية للتجوال في جنبات المكان الذي كان مقرا ومنزلا لاجيال من شيوخ قبيلة الحويطات.

في الرشادية تصمت احتراما لهيبة وجلال المكان وتصغي لعلك تسمع صوت أو نحنحة الشيخ حمد بن جازي الذي عشق المكان وبسط هيبته على جنباته.

وبقي المخفر والديوان وكل ما يحيط بهما يختزن الكثير من العبق والطاقة والزهو على الأسقف وبين حجارة الجدران وعلى المدى الممتد بين تلة الرشادية والجبال الوعرة المتناثرة على مد البصر..

في فندق الجبل المطل على محمية ضانا يجلس صاحب الفندق أكرم الخوالدة وأبو بسام السعودي والشاب البشوش إبراهيم الخوالدة على قمة أجمل الجبال وأكثرها سيادة للمكان .

يدهشك إلى جانب الجمال حجم التفاؤل الذي يشع من وجوه الرجال الذين لا يزال كل واحد منهم يرتدي كوفيته ويرد طرفها الأيسر نحو اليمين وكأنه يطويها فوق رأسه ليكشف عن عارضيه بطريقة توحي بثقة يمتزج فيها الكبرياء بالتواضع . من على تلة الفندق تطالع المحمية وتشعر أنك صقرا أو عقابا يرى كل ما حوله كما ترى الطيور الأرض ومن عليها ....

في الرحلة التي استمرت لنصف يوم " ١٢ ساعة" يجري الوقت برقة وسلاسة وتحاول اختصار الوقت وتسريع دوران العجلات للوصول إلى محطة رحلتنا الأخيرة في واحات البربيطة التي تشكل واجهة النهضة الزراعية للطفولة .

هنا في البربيطة وعلى جانبي جدول الماء الثر وحول الحمامات المعدنية الساخنة أعد مضيفنا المهندس محمد الخمايسة واجب الضيافة وقام وشقيقه محمود على توفير كل ما يمكن أن يحتاج إليه المسافر بعد يوم تجوال طويل ليخفف عنه العناء ويديم متعة الرحلة..

رحلة الاثنين إلى الطفيلة بصحبة ضيوفنا المميزين أتاحت لي فرصة جديدة لإعادة اكتشاف السحر الذي يسكن الجنوب ويتبدى من جنباته فشكرا للضيوف على الوقت الجميل وشكرا للمعازيب على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :