القانون الرقمي في الأردن: حماية المواطن وتنظيم الفضاء الرقمي
د.مأمون الشتيوي العبادي
04-07-2025 01:31 AM
في زمن تسارعت فيه وتيرة التحوّل الرقمي، لم يعد استخدام الإنترنت والتكنولوجيا مجرد رفاهية، بل أصبح جزءًا أساسيًا من حياة الأردنيين، من التعليم والعمل، إلى المعاملات البنكية والخدمات الحكومية. ومع هذا التطور، برزت الحاجة الملحة إلى تنظيم هذا الفضاء الرقمي بقوانين واضحة تحمي المواطن والدولة. هنا تظهر أهمية القانون الرقمي كحائط صد يحفظ الحقوق، ويعزز الثقة، وينظم التفاعل في هذا العالم الافتراضي المتنامي.
١- حماية البيانات الشخصية في الأردن
أصبح المواطن الأردني يستخدم بياناته الشخصية في كل مكان: تطبيقات الهواتف، المنصات الحكومية، مواقع التسوق، والخدمات البنكية. لكن من دون قانون يحكم جمع هذه البيانات وتخزينها واستخدامها، تبقى الخصوصية مهددة.
في هذا السياق، بدأت الحكومة الأردنية باتخاذ خطوات مهمة في تحديث قوانين حماية البيانات، وكان من أبرزها قانون حماية البيانات الشخصية لسنة 2023، الذي وضع أسسًا واضحة لكيفية التعامل مع المعلومات الحساسة، ومنح المواطنين الحق في معرفة من يستخدم بياناتهم ولماذا، وطرق الاعتراض والمطالبة بالحذف أو التصحيح.
٢- مكافحة الجرائم الإلكترونية
شهد الأردن خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا في عدد الجرائم الإلكترونية، مثل الابتزاز عبر الإنترنت، الاختراقات، سرقة الحسابات، وترويج الشائعات عبر منصات التواصل. وقد تعاملت الدولة مع هذه التحديات من خلال قانون الجرائم الإلكترونية الذي تم تعديله وتحديثه ليشمل الجرائم الجديدة، ويوازن بين حرية التعبير وضرورة ضبط السلوك الرقمي.
هذا القانون يمكّن الأجهزة المختصة من تتبع المجرمين الرقميين ومحاسبتهم، كما يوفر للمواطن آلية لتقديم الشكاوى وحماية نفسه من التهديدات الإلكترونية.
٣- تنظيم التجارة الإلكترونية في السوق الأردني
مع ازدهار التجارة الإلكترونية، أصبح من الضروري وجود تشريعات تضمن حقوق المستهلك الأردني. فالعديد من المواطنين تعرّضوا لحالات من الغش أو المنتجات الوهمية أو تأخير الشحن دون قدرة على اللجوء إلى حماية قانونية فعالة.
القانون الرقمي يوفّر الأساس التشريعي لتنظيم عمليات البيع والشراء الإلكترونية، ويُلزم المنصات والمتاجر الرقمية بشفافية التعامل وضمان الجودة. كما يُمهّد الطريق لاقتصاد رقمي مستدام يشجّع ريادة الأعمال الإلكترونية في الأردن.
٤- التعامل مع الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة
رغم أن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يزال في بداياته، إلا أن هناك اهتمامًا متزايدًا في الاردن بتنظيم هذا القطاع. القانون الرقمي من شأنه أن يضع أسسًا واضحة لاستخدام هذه التكنولوجيا بما يضمن السلامة والشفافية، ويمنع التمييز أو الانحياز في الخوارزميات التي قد تؤثر على فرص الأفراد أو خصوصيتهم.
٥ - لماذا نحتاج قانونًا رقميًا حديثًا؟
لأن الأردن يسير بخطى ثابتة نحو التحول الرقمي، من خلال رقمنة الخدمات الحكومية، وإطلاق محافظ إلكترونية، وتشجيع التعليم عن بُعد، بات من الضروري مواكبة هذا التحول بقانون عصري وشامل:
١- يحمي الأطفال من مخاطر الإنترنت.
٢- ينظم المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي دون خنق حرية التعبير.
٣- يحفّز الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والبرمجيات.
٦- الرؤية الملكية ودعم التحول الرقمي الآمن
جاءت الرؤية الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني ولولي العهد الحسين بن عبد الله لتؤكد على أهمية التحول الرقمي كرافعة للنهوض بالاقتصاد، وتعزيز الشفافية، وتيسير الخدمات للمواطنين. وقد أكد جلالته في مناسبات عديدة أن الرقمة ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية، شريطة أن تكون مبنية على الثقة، وحماية البيانات، وأمن المعلومات
في هذا السياق، يُعد القانون الرقمي أحد الركائز الأساسية لتحقيق هذه الرؤية، حيث يوفّر الإطار القانوني الذي يضمن أن يكون التحول الرقمي آمنًا، منظمًا، وعادلًا. كما يتماشى مع مخرجات رؤية التحديث الاقتصادي ورؤية التحديث الإداري، التي تولي أهمية كبيرة لبناء بنية تحتية رقمية قوية مدعومة بتشريعات عصرية.
إن وجود قانون رقمي شامل ومتطور هو ترجمة عملية للرؤية الملكية في بناء أردن رقمي متقدم، يحمي حقوق المواطن، ويعزز ثقة المستثمر، ويدفع بعجلة الابتكار والنمو.
ان القانون الرقمي في الأردن ليس مجرد نصوص تشريعية، بل هو أداة وطنية لحماية المواطن، وتنظيم المجتمع الرقمي، وتعزيز الثقة في التكنولوجيا. ومع التوسع المستمر في استخدام الإنترنت، يصبح تطوير هذا القانون وتطبيقه بفعالية ضرورة ملحّة لضمان أمن واستقرار المجتمع الأردني في العصر الرقمي.
إن بناء مستقبل رقمي آمن يبدأ من هنا، من قانون عادل، متوازن، وشامل.