حلول المياه المرنة لمواجهة تغير المناخ
06-07-2025 03:41 PM
*تقنيات مبتكرة وأساليب حديثة لتعزيز أمن المياه في الأردن
عمون - ما بين مطرقة التغيّر المناخي وسندان التوترات الإقليمية، عاش الأردن في السنوات الأخيرة حقبة صعبة تتمثل في شح المياه وازدياد الضغط على الموارد المائية نتيجة موجات اللجوء والنمو السكاني، وتراجع معدلات الهطولات المطرية.
وفي ظل هذه التحديات، أصبحت الحاجة ملحة للنظر في الحلول الواقعية وغير التقليدية التي تسهم في إدارة الطلب، وتوسيع مصادر المياه وتعزيز وعي المجتمعات المحلية بأهمية الحفاظ على هذا المورد الحيوي.
وبحسب مديرة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في الأردن (الموئل)، المهندسة ديما أبو ذياب ، فإن الموئل يسعى إلى جعل الأردن أكثر تكيّفا مع تغيرات المناخ من خلال المشاريع النوعية التي تهدف إلى تنمية المدن وجعلها أكثر مرونة واستدامة ومنعة في وجه التغيرات المناخية، وذلك من خلال مشاريعه المتعددة والمتجددة".
من هنا، جاء مشروع "حلول المياه المرنة لمواجهة تغيّر المناخ في الأردن ولبنان"، الذي ينفذه موئل الأمم المتحدة، بتمويل من صندوق التكيّف، بالشراكة مع عدد من المؤسسات المحلية والدولية، ليكون بمثابة استجابة عملية وفاعلة لهذه التحديات.
وعلى مدار العامين الماضيين، نفّذ المشروع حزمة من التدخلات النوعية في محافظتي إربد والمفرق، بهدف تعزيز صمود المجتمعات وتوفير حلول عملية قابلة للتنفيذ والديمومة والتكرار.
وعمل المشروع على تركيب 40 نظامًا لمعالجة المياه الرمادية في 35 مدرسة حكومية و5 مساجد، ما أتاح الفرصة لإعادة استخدام المياه في ري الحدائق وتنظيف المرافق العامة.
كما تم تنفيذ 64 نظامًا لحصاد مياه الأمطار موزعا على 40 مدرسة 10 مساجد و14 مبنى سكنيًا لعائلات ذات دخل محدود، لتقليل الاعتماد على شبكات المياه التقليدية التي تستنزف الموارد المائية وتمثل عبئا اقتصاديا على غير المقتدرين ماديا.
وضمن إطار عمل المشروع أيضا، عقدت جلسات تدريبية للسكان المحليين للتعريف بأسس الزراعة المستدامة المبنية على تقنيات التي تعمل على خفض استهلاك المياه وزيادة الإنتاج الغذائي المنزلي بطرق بسيطة وفعالة.
ولضمان استدامة الفكرة وتطبيقها بين السكّان، حُوّلت حدائق منزلية إلى أنظمة الزراعة المستدامة؛ يقول العم منير الغدايرة ، وهو أحد سكّان برمة في جرش، حيث تم تطوير حديقة منزله إلى مزرعة مستدامة ذات استهلاك مائي منخفض: "اليوم، لا أحتاج إلى شراء كميات كبيرة من المياه لري المزروعات، إذ أن نظام الزراعة هذا يحد من هدر المياه ويعمل في الوقت ذاته على زيادة الإنتاج الزراعي.. أعتقد أنني سأصل قريبًا إلى مرحلة أزرع فيها كل ما أحتاجه في بيتي."
ولأن الجامعات تعد منبرا ومنصة يسهل فيها الوصول إلى فئة الشباب، وسّع المشروع نطاق تأثيره ليصل إلى التعليم العالي، من خلال إنشاء موقع تدريبي متكامل للزراعة المستدامة في جامعة جرش، وتنفيذ برنامج تدريبي معتمد دوليا، استفاد منه طلاب الجامعة، ليصبحوا جزءًا من الجيل القادم في تطوير حلول بيئية مستدامة.
وإلى جانب الحلول التقنية، ركز المشروع على بناء الوعي المجتمعي من خلال الحملات التوعوية عبر منصات التواصل الاجتماعي والمسابقات البيئية في المدارس، والجلسات والورش التدريبية لأبناء المجتمعات المحلية؛ بالإضافة إلى تأسيس جمعيات للمزارعين المحليين وتشجيع الممارسات الذكية في الزراعة.
ويشير المنسق الإقليمي للمشروع، حسين محسن، إلى أن "نجاح هذا المشروع لا يكمن فقط في الأنظمة التي قمنا بتركيبها، بل في الوعي الذي ساعدنا على نشره، وفي المجتمعات التي أصبحت أكثر قدرة على التكيف. نعمل على بناء نماذج قابلة للتكرار والاتساع لتُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الناس."
وما زال المشروع مستمرًا بتنفيذ مبادرات جديدة تهدف إلى ترسيخ ثقافة الاستخدام الأمثل للمياه، وتعزيز الصمود المجتمعي في مواجهة التغيرات المناخية، لتصبح التجربة الأردنية نموذجًا يحتذى به في المنطقة.