الغطرسة الكولونيالية وتهميش الهامش
أ.د سلطان المعاني
12-07-2025 12:13 PM
لم تكن الحادثة التي وقعت في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني زلة بروتوكولية عابرة، وهي نموذج صارخ لانحراف القيم الأخلاقية والإنسانية في الفضاء الدبلوماسي. فعندما يملك شخص ما موقعاً رفيعاً على مستوى العالم، كمنصب رئيس الولايات المتحدة، يُفترض به أن يكون نموذجاً للاتزان، والاحترام المتبادل، والتمثيل الحقيقي لقيم بلده، بعيداً عن أي استعلاء أو تقليل من شأن الآخرين، بغض النظر عن حجم أو مكانة دولهم.
من المنظور الأخلاقي، كل إنسان وكل أمة لها كرامتها التي لا يجوز المساس بها أو انتقاصها تحت أي ظرف. والاحترام المتبادل هو حجر الزاوية في العلاقات الإنسانية والدولية. حين يتعمد زعيم أو مسؤول أن يقاطع ضيفه أو يسخر من خلفيته أو يطالبه فقط بأن يذكر اسمه وبلده دون إعطائه مساحة للكلام أو التعبير، فهو بذلك ينتهك أحد أبسط المبادئ الأخلاقية، وهو مبدأ الاعتراف بالآخر واحترام وجوده وحقه في التعبير. تصرفات مثل هذه تغذي مشاعر الدونية لدى البعض، وتعمّق جراح الشعوب التي كافحت من أجل سيادتها واستقلالها، كما أنها تمنح رسالة سلبية للعالم حول معنى التعايش والتنوع وقبول الآخر.
أما من زاوية القيم، فإن القيم العليا في العلاقات الدولية هي قيم العدالة، والمساواة، والتواضع، والصدق، واحترام الآخر. وعندما يتخلى مسؤول رفيع عن هذه القيم ويستبدلها بالفوقية والتنمر، فإنه يهدم أسس الثقة بين الشعوب ويزرع بذور العداء وسوء الفهم. من المؤسف أن ترى في المحافل الدولية من يضع نفسه فوق الآخرين، وكأن المكانة السياسية أو الاقتصادية تمنحه حق السخرية أو الانتقاص أو حتى التجاهل. هذه السلوكيات مرفوضة أخلاقياً، وهي خطيرة عملياً، لأنها تخلق بيئة غير صحية للحوار والتعاون، وتغلق أبواب التقارب الإنساني الحقيقي.
في السياق الدبلوماسي، يعتبر البروتوكول أساساً لضمان الحد الأدنى من الاحترام المتبادل بين الدول، بغض النظر عن الفوارق في القوة أو الثروة أو النفوذ. القادة الدبلوماسيون يمثلون أنفسهم وشعوبهم وتاريخهم وقيمهم، وأي إساءة توجه إليهم هي في حقيقتها إساءة إلى شعوبهم وثقافاتهم وهوياتهم. الترفع عن صغائر الأمور، وإعطاء كل ذي حق حقه، والاستماع للآخر حتى وإن اختلفت معه أو لم تعطه نفس القدر من الاهتمام الإعلامي، هو جوهر الدبلوماسية الحقة. ليس من المقبول أن يتحول اللقاء الدبلوماسي إلى ساحة استعراض شخصي أو إهانة، وقد وجب أن يكون فضاء لتبادل الأفكار، وتقدير التنوع، وبناء الجسور لا هدمها.
نبذ الفوقية والتعالي هو ضرورة في كل التفاعلات الإنسانية، خصوصاً على المستوى الدولي حيث كل كلمة وحركة تحمل دلالات وتبعث برسائل أعمق من مجرد الحوار العابر. ولا يمكن لمجتمع إنساني أو عالمي أن يبنى على أساس التحقير والتقليل من شأن الآخر، وإنما يحتاج إلى الاعتراف بالمساواة الجوهرية بين الجميع، وإلى الجرأة في الاعتذار وتصحيح المسار متى ما حدث الخطأ. الفوقية مرض أخلاقي وثقافي يقود إلى عزلة الشعوب، وينتج عنه صراعات مزمنة ونفور متبادل.
تصرف الرئيس الأمريكي في هذا المشهد، بغض النظر عن النوايا أو الملابسات، يعكس حاجة ملحة لإعادة الاعتبار للقيم الأخلاقية في السياسة الدولية، وللتأكيد على أن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ، وأن احترام الآخر واجب بروتوكولي وهو مبدأ أساسي لسلام العالم وتقدمه. لو أن الجميع استشعر هذه القيم في كل تعامل، لصارت الدبلوماسية أرقى، وأصبح العالم أكثر أماناً وعدلاً وقرباً بين الشعوب.